للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من العذاب ما لم يكونوا يحتسبون أيسوا من كل خير، وانقطعت آمالهم وخاب رجاؤهم. وقرأ السلمي: {مبلسون} بفتح اللام من أبلسه؛ أي: أدخله في الإبلاس، وهو القنوط من رحمة الله تعالى.

٧٨ - {وَهُوَ} سبحانه الإله {الَّذِي أَنْشَأَ} وخلق {لَكُمُ}؛ أي: لمنافعكم {السَّمْعَ} وهي: قوة في الأذن بها تدرك الأصوات، والفعل يقال له: السمع أيضًا، ويعبر تارة بالسمع عن الأذن. {وَالْأَبْصَارَ} جمع بصر، يقال للجارحة الناظرة وللقوة فيها، {وَالْأَفْئِدَةَ} جمع فؤاد وهو القلب. وخص هذه (١) الثلاثة بالذكر؛ لأن أكثر المنافع الدينية والدنيوية متعلق بها. والخطاب لجملة الخلق والمقصود به التقريع والتوبيخ بالنسبة للكافرين وتذكير النعم بالنسبة للمؤمنين.

والمعنى: وهو سبحانه هو الإله الذي أحدث لكم السمع لتسمعوا به الأصوات التي تخاطبون بها والمواعظ، والأبصار لتشاهدوا بها الأضواء والألوان والأشكال المختلفة، وتنظروا العبر، والعقول لتفهموا بها ما ينفعكم، وتتفكروا بها فيما يوصلكم إلى سعادة الدارين الدنيا والعقبى.

وخص (٢) هذه الثلاثة بالذكر؛ لأنها طريق الاستدلال الحسين والعقلي لمعرفة الموجودات، وذكرها على هذا الترتيب لما أثبته الطب، أن الطفل في الأيام الثلاثة الأولى يسمع ولا يبصر، ثم يبدأ الرؤية بعدئذٍ، ومن الواضح تأخر العقل عن ذلك.

أي: وهو الذي أنعم عليكم بهذه النعم الجليلة، فلم تنتفعوا بشيء منها لإصراركم على الكفر، وبعدكم عن الحق، ولم تشكروه على ذلك. ولهذا قال: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}؛ أي (٣): شكرًا قليلًا حقيرًا، غير معتدٍ به باعتبار تلك النعم الجليلة {تَشْكُرُون}، فـ {مَا} زائدة لتأكيد القلة.

وقيل المعنى: أنهم لا يشكرونه ألبتة. وقد كان ينبغي أن يشكروه عليها في


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.