للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

روى الإِمام أحمد، والترمذي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو: "وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفني إليك غير مفتون". ومعلوم أنه عليه السلام (١)، معصوم مما يكون سببًا لجعله معهم، ولكنه أمره أن يدعو بذلك إظهارًا للعبودية، وتواضعًا لله تعالى. واستغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من مجلسه سبعين مرة من هذا القبيل، وقرأ الضحاك وأبو عمران الجوني: {ترئني} بالهمز بدل الياء، وهذا كما قرىء فإما {ترئت} و {لترؤن} بالهمز، وهو إبدال ضعيف.

٩٥ - {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} من العذاب المستأصل {لَقَادِرُونَ} ولكنا نؤخره لعلمنا بأن بعضهم أو بعض أعقابهم سيؤمنون، أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم.

والمعنى: أي وإنا أيها الرسول لقادرون، على أن نريك ما ننزله بهم من العذاب، فلا يحزننك تكذيبهم بك، وإنما نؤخره حتى يبلغ الكتاب أجله، علمًا منا أن بعضهم أو بعض أعقابهم سيؤمن، ومن جراء ذلك لا نستأصلهم، ولا نمحو آثارهم،

٩٦ - ثم أرشده إلى ما يفعل بهم إذا لحقه أذاهم، فقال: {ادْفَعْ} يا محمد {بِالَّتِي}؛ أي: بالطريقة التي {هِيَ أَحْسَنُ}؛ أي: أحسن طرق الدفع من الحلم والصفح، {السَّيِّئَةَ} التي تأتيك منهم من الأذى والمكروه، وهو مفعول ادفع. والسيئة: الفعلة القبيحة، وهو ضد الحسنة.

قال بعضهم (٢): أي استعمل معهم ما جعلناك عليه من الأخلاق الكريمة والشفقة والرحمة، فإنك أعظم خطرًا من أن يؤثر فيك ما يظهرونه من أنواع المخالفات.

وفي "التأويلات النجمية" يعني: مكافأة السيئة جائزة، لكن العفو عنها أحسن، ويقال: ادفع بالوفاء الجفاء. ويقال: الأحسن ما أشار إليه القلب بالمعافاة، والسيئة ما تدعو إليه النفس للمكافأة. والمعنى (٣)؛ أي: قابل إساءتهم بما أمكن من الإحسان وتكذيبهم بالكلام الجميل، وبيان الأدلة على أحسن


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.