للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ارجعني إلى الدنيا، لأعمل صالحًا فيما قصرت فيه من عبادتك، وحقوق خلقك.

وخلاصة ذلك: أنه حين الاحتضار يعاين ما هو مقبل عليه من العذاب، فيتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليصلح ما أفسد؛ ويطيع فيما عصى، ونحو الآية قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)} وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} وقوله: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤)} وقوله {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ}.

ومن كل هذا تعلم أنهم يطلبون الرجعة حين الاحتضار، وحين النشور، وحين العرض على الملك الجبار، وحين يعرضون على النار، وهم فى غمرات جهنم، فلا يجابون إليها فى كل حال {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}؛ أي: إنا لا نجيبه إلى ما طلب؛ لأن طلبه الرد ليعمل صالحًا هو قوله فحسب، ولا عمل معه، وهو كاذب، ولو رد لما عمل، كما قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.

{وَمِنْ وَرَائِهِمْ}؛ أي: ومن أمامهم، وهو ظرف مكان بمعنى خلف، ولكنه هنا بمعنى أمام؛ لأنه من اسم الأضداد؛ أي (١): ومن أمام ذلك الأحد، والجمع باعتبار المعنى؛ لأنه فى حكم كلهم، كما إن الإفراد فى قال وما يليه، باعتبار اللفظ {بَرْزَخٌ}؛ أي: حائل بينهم وبين الرجعة، وهو القبر. وفي "التأويلات النجمية" وهو ما بين الموت إلى البعث؛ أي: بين الدنيا والآخرة، وهو غير البرزخ الذي بين عالم الأرواح المثالي، وبين هذه النشاة العنصرية. اهـ.

{إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من قبورهم وهو يوم القيامة، وهو إقناط كلي من الرجعة إلى الدنيا، لما علم أن لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا. وأما الرجعة حينئذ فإلى الحياة الأخروية.


(١) روح البيان.