للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٠٢ - ثم شرع سبحانه يبين أحوال السعداء، وأحوال الأشقياء حينئذٍ، فقال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}؛ أي: فمن رجحت موزونات حسناته وأخلاقه من العقائد والأعمال؛ أي: فمن كان له عقائد صحيحة، وأعمال صالحة يكون لها وزن وقدر عند الله تعالى، فهو جمع موزون، بمعنى العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى .. {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؛ أي: الفائزون بمطالبهم المحبوبة، الناجون من الأمور التي يخافونها. ولما كان لفظ {من} يصلح للواحد والجمع، وحد على اللفظ فى قوله: {موازينه}، وجمع على المعنى فى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

١٠٣ - {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وهي أعماله الصالحة؛ أي: ومن لم يكن له من العقائد والأعمال ما له وزن وقدر عند الله تعالى، وهم الكفار لقوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}، {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}؛ أي: ضيعوها (١) وتركوا ما ينفعها بتضييع زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها، {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} بدل من صلة الموصول، أو خبر ثانٍ لاسم الإشارة؛ أي: ماكثون فيها مكثًا مؤبدًا.

١٠٤ - وجملة قوله: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} مستأنفة، ويجوز أن تكون فى محل نصب على الحال من الضمير المستكن فى خالدون، أو تكون خبرًا آخر لأولئك؛ أي: تضربها وتأكل لحومها، وتحرق جلودها. يقال: لفحته النار بحرها إذا أحرقته كما فى "القاموس". واللفح كالنفخ، إلا أنه أشد تاثيرًا، كما فى "الإرشاد" وغيره، وخص الوجوه بذلك؛ لأنها أشرف الأعضاء، وأعظم ما يصان منها، فبيان حالها أزجر عن المعاصي المؤدية إلى النار، وهو السر فى تقديمها على الفاعل.

{وَهُمْ فِيهَا}؛ أي: فى جهنم {كَالِحُونَ}؛ أي: متقلصوا الشفتين عن الأسنان من شدة الاحتراق، والكلوح: تقلص الشفتين عن الأسنان وظهورها، كما ترى ذلك فى الرؤوس المشوية. وفي الحديث (٢): "تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلع وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلع سرته". أخرجه


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.