للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا، فإنه لا رجعة لكم إلى الدنيا، وإنما يكلمني من سمت نفسه إلى عالم الأرواح، ولبس رداء الخوف والخشية من ربه، واحتقر الدنيا وشهواتها، وعزف عنها لما يرجوه من ربه من ثواب عميم ونعيم مقيم.

١٠٩ - ثم بين سبحانه السبب فيما نالهم من العذاب، فقال: {إِنَّهُ}؛ أي: إن الشأن والحال، وقرأ أبيّ بفتح الهمزة؛ أي: لأنه {كَانَ فَرِيقٌ}؛ أي: طائفة {مِنْ عِبَادِي} المؤمنين. قيل: هم الصحابة. وقيل: هم المهاجرون. وقيل: هم أهل الصفة {يَقُولُونَ} فى الدنيا {رَبَّنَا آمَنَّا}؛ أي: صدقنا بك، وبجميع ما جاء من عندك {فَاغْفِرْ لَنَا}؛ أي: استر ذنوبنا {وَارْحَمْنَا}؛ أي: وانعم علينا بنعمتك، التي من جملتها الفوز بالجنة، والنجاة من النار {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} وأفضلهم وأرحم علينا من الوالدين؛ لأن رحمتك منبع كل رحمة

١١٠ - {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ}؛ أي: فجعلتموهم {سخريًا}؛ أي: مهزوءًا بهم تسخرون منهم وتستهزئون بهم؛ أي: فاتخذتموهم هزأة تهزؤون منهم، وهذا محط التعليل الذي سيقت له {إنّ}؛ لأن جملة {إنّ} تعليل لما قبلها من الزجر عن دعائهم بالخروج منها، بقوله ولا تكلمون؛ أي: اسكتوا عن الدعاء، بقولكم: ربنا أخرجنا إلخ؛ لأنكم كنتم تستهزؤون بالداعين بقولهم ربنا آمنا إلخ. وتتشاغلون باستهزائهم، {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ}؛ أي: حتى أنساكم الاستهزاء بهم، فإن أنفسهم ليست سبب الإنساء {ذِكْرِي}؛ أي: ذكركم إياي والخوف منى، والعمل بطاعتي من فرط اشتغالكم باستهزائهم فلم تخافوني فى أوليائي {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} فى الدنيا استهزاء بهم، وذلك غاية الاستهزاء، وقال مقاتل: نزلت فى بلال وعمار وخباب وصهيب وأمثالهم من فقراء الصحابة، كان كفار قريش كأبي جهل وعتبة وأبي بن خلف وأضرابهم يستهزئون بهم وبسلامهم، ويؤذونهم.

وقرأ حمزة والكسائي ونافع (١): {سُخريًا} بضم السين، وباقي السبعة بالكسر. وقال ابن عطية: وقرأ أصحاب عبد الله وابن أبي إسحاق والأعرج بضم


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.