للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{ذَلِكَ}؛ أي: ما ذكر من غض البصر وحفظ الفروج. {أَزْكَى لَهُمْ}؛ أي: أطهر لهم من دنس الريبة، وأنفع لهم دينًا ودنيا. فقد قالوا: النظر بريد الزنا ورائد الفجور. ولله در شاعرهم:

كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ ... وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِيْ قَلْبِ فَاعِلِهَا ... فِعْلَ السِّهَامِ بِلاَ قَوْسٍ وَلاَ وَتَرِ

وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا ... فِيْ أعْيُنِ الْعِيْنِ مَوْقُوْفٌ عَلَى الْخَطَرِ

يَسُرُّ نَاظِرَهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ ... لاَ مَرْحَبًا بِسُرُوْرٍ عَادَ بِالضَّرَرِ

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {خَبِيرٌ}؛ أي: عليم {بِمَا يَصْنَعُونَ}؛ أي: بما يصنع المؤمنون وغيرهم من سائر العباد، فلا يخفى عليه شيء مما يصدر منهم من الأفعال. كإجالة النظر، واستعمال سائر الحواس، وماذا يراد بذلك فليكونوا على حذر منه تعالى في حركة وسكون، وفي كل ما يأتون وما يذرون.

روي (١) عن عيسى بن مريم عليه السلام، أنه قال: إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب شهوة، وفي الأثر "يا ابن آدم لك النظرة الأولى، فما بال الثانية". وفي الحديث: "اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة، أصدقوا إذا حدثتم، أوفوا إذا وعدتم، وأدوا ما ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم".

٣١ - وبعد أن أمر سبحانه رسوله بأمر المؤمنين بغضّ أبصارهم .. أمره بأن يأمر المؤمنات بذلك فقال: {وَقُلْ} يا محمد {لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} فلا ينظرن إلى ما لا يحل لهن النظر إليه، من عورات الرجال والنساء (ما بين السرة والركبة) عند أبي حنيفة وأحمد. وعند مالك ما عدا الوجه والأطراف. والأصح من مذهب الشافعي أنها لا تنظر إليه كما لا ينظر هو إليها. وإذا نظرت إلى ما عدا ذلك، أعني ما بين السرة والركبة بشهوة حرم، وبدونها لا يحرم، ولكن غض البصر عن الأجانب أولى بهن وأجمل، لما روى أبو داود والترمذي عن أم سلمة


(١) روح البيان.