للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم فصل سبحانه أقسام الحيوان، مما يدب على وجه الأرض، فقال: {فَمِنْهُمْ}؛ أي: فمن الدوابـ {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كالحيات والحوت ونحوهما. ولما (١) كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز، فأعطى ما وراءه حكمه، كأن الدواب كلهم مميزون. فمن ثمة قال: فمنهم بضمير العقلاء، وإنما قال: يمشي على وجه المجاز، وإن كان حقيقة المشي بالرجل؛ لأنه جمعه مع الذي يمشي على وجه التبع، يعني أن تسمية حركة الحية مثلًا ومرورها مشيًا، مع كونها زحفًا للمشاكلة، فإن المشي حقيقة وقطع المسافة والمرور عليها، مع قيد كون ذلك المرور على الأرجل، وإشارة إلى كمال القدرة، وإنها مع عدم وجود آلة المشي كأنها تمشي. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْن} كالإنس والطير {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كالأنعام والوحوش والفرس والبغال والحمير. ومنهم من يمشي على أكثر من أربع، كالعقارب والعنكبوت والحيوان، والمعروف بأم أربع وأربعين. وإنما لم يذكر هذا القسم. إما لندوره، أو لأنه عند المشي يعتمد على أربع فقط، أو لدخوله في قوله: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} مما ذكر ومما لم يذكر، بسيطًا كان أو مركبًا، على ما شاء من الصور والأعضاء، والهيئات والحركات والطبائع، والقوى والأفعال مع اتحاد العنصر بمقتضى مشيئته.

وفي "الإرشاد": وإنما لم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع، كالعناكب ونحوها، من الحشرات لعدم الاعتداد بها. وقال في "فتح الرحمن"؛ إنما تركها؛ لأنها في الصورة كالتي تمشي على أربع، أو لأنها إنما تمشي على أربع منها.

وتذكير (٢) الضمير في (منهم)، لتغليب العقلاء، والتعبير عن الأصناف بـ (من)، ليوافق التفصيل الإجمال، وهو (هم) في (منهم)، والترتيب حيث قدم الزاحف على الماشي على رجلين، وهو على الماشي على أربع؛ لأن المشي بلا آلة أدخل في القدرة من المشي على الرجلين، وهو أثبت لها بالنسبة إلى من مشى على أربع. وفي "فتح الرحمن" قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} الآية، فيه


(١) النسفي.
(٢) روح البيان.