للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {مِنَ الظَّهِيرَةِ} بيان للحين، وهي شدة الحر عند انتصاف النهار؛ أي (١): حين ذلك الوقت الذي هو الظهيرة. وقيل (من) بمعنى في؛ أي: تضعونها في الظهيرة، أو بمعنى اللام؛ أي: من أجل حر الظهيرة.

والتصريح (٢) بمدار الأمر، أعني وضع الثياب في هذا الحين، دون الأول والآخر، لما أن التجرد عن الثياب فيه لأجل القيلولة لقلة زمانها ووقوعها في النهار، الذي هو مظنة لكثرة الورود والصدور، ليس من التحقق والاطراد بمنزلة ما في الوقتين، فإن تحقق التجرد واطراده فيهما أمر معروف لا يحتاج إلى التصريح به.

ثم ذكر سبحانه الوقت الثالث، فقال: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} الآخرة ضرورة، أنه وقت التجرد عن اللباس والالتحاف باللحاف، وهو كل ثوب تغطيت به؛ أي: وقتًا بعد صلاة العشاء الآخرة.

وإنما خص (٣) سبحانه هذه الثلاثة الأوقات؛ لأنها ساعات الخلوات، ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يجوز أن يراه أحد من العبيد والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات. وغير العبيد والصبيان يستأذن في جميع الأوقات.

ثم أجمل سبحانه هذه الأوقات بعد التفصيل، فقال: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ} كائنة، {لَكُمْ} أيها المؤمنون والمؤمنات بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذه الثلاثة المذكورة ثلاث عورات لكم؛ أي: ثلاثة أوقات يختل فيها عادةً ستر عورات لكم. أو المعنى هذه ثلاث خلوات لكم. كما في "تنوير المقياس"، والعورة: الخلل الذي يرى منه ما يراد ستره. وسميت الأوقات المذكورة عورات مع أنها ليست نفس العورات، بل هذه أوقات العورات، على طريق تسمية الشيء باسم ما يقع فيه، مبالغة في كونه محلًا له.


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.