للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثيابهن الظاهرة، كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار، إذا كن لا يبدين زينة خفية، كشعر ونحر وساق لدى المحارم وغير المحارم من الغرباء.

وخلاصة ذلك: أنه لا جناح على القواعد من النساء أن يجلسن في بيوتهن بدرع وخمار ويضعن الجلباب، ما لم يقصدن بذلك الزينة، وإظهار ما يجب إخفاؤه. هذا إذا لم يكن فيهن بقية من جمالٍ تورث الشهوة، فإن كان فيهن ذلك، فلا يدخلن أى حكم الآية.

{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} أي؛ وإن يطلبن العفة بترك وضع الثياب. وهو مبتدأ خبره {خَيْرٌ لَهُنَّ} من وضعها لبعده من التهمة؛ أي: استعفافهن بعدم إلقاء الجلباب خير لهن من الإلقاء؛ أي: وإن تعففن عن وضع جلابيبهن وأرديتهن، فلبسها كالشباب، كان ذلك خيرًا لهن من خلعها ,لتباعدهن حينئذٍ عن التهمة. ولقد قالوا: لكل ساقطة في الحي لاقطة.

وقرأ ابن مسعود (١): {وأن يعففن} بغير سين. قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه (٢) الآية دلالة، على أنه يباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال. وأما شعرها فيحرم النظر إليه كشعر الشابة.

ثم توعد من يخالف تلك الأوامر فقال: {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {سَمِيعٌ} بما يجري بينهن وبين الرجال من الأحاديث والمقاولات {عَلِيمٌ} بمقاصدهن، لا تخفى عليه خافية من أمرهن، فاحذروا أن يسول لكم الشيطان مخالفة ما به أمر، وعنه نهى، فهو سبحانه سميع لما يقوله كل قائل، عليم بمقاصده. فيجازي كلا على عمله الظاهر والباطن، وفي ذكر هاتين الصفتين توعد وتحذير.

واعلم: أن العجوز (٣) إذا كانت بحيث لا تشتهى جاز النظر إليها لا من الشهوة. وفيه إشارة إلى أن الأمور إذا خرجت عن معرض الفتنة، وسكنت نائرة الآفات سهل الأمر، وارتفعت الصعوبة، وأبيحت الرخص، ولكن التقوى فوق


(١) الشوكاني.
(٢) زاد المسير.
(٣) روح البيان.