للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإيمان وتصديقه، ولما لم يفعل ذلك علمنا أنه ما أراد تصديقه.

ومن لطائف الشيخ نجم الدين في تأويلاته أنه قال (١): يشير سبحانه إلى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة والحشر من الكفرة يتمنون رؤية ربهم بقولهم: {أَوْ نَرَى رَبَّنَا} فالمؤمنون الذين يدعون أنهم يؤمنون بالآخرة والحشر، كيف ينكرون رؤية ربهم وقد وردت بها النصوص، فلمنكري الحشر عليهم فضيلة بأنهم طلبوا رؤية ربهم، وجوزوها كما جوزوا إنزال الملائكة، ولمنكري الرؤية ممن يدعي الإيمان شركة مع منكري الحشر في جحد ما ورد الخبر والنقل؛ لأن النقل كما ورد يكون الحشر ورد بكون الرؤية لأهل الإيمان, انتهت.

ثم أجاب سبحانه عن شبهتهم هذه بقوله: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا} واللام في قوله: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا} موطئة للقسم؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أضمر هؤلاء القائلون الاستكبار عن الحق والعناد به {فِي أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: في قلوبهم، كما في قوله: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، أو المعنى (٢): لقد أظهروا الكبر والعظم والترفع في شأن أنفسهم، يعني: وضعوا لأنفسهم وجعلوا لها قدرًا ومنزلة ورفعة حيث أرادوا لأنفسم الرسل من الملائكة، ورؤية الرب تعالى {وَعَتَوْا}؛ أي: تجاوزوا الحد في الظلم والطغيان {عُتُوًّا}؛ أي: تجاوزًا {كَبِيرًا}؛ أي: بالغًا إلى أقصى غاياته من حيث أنهم عاينوا المعجزات القاهرة، وأعرضوا عنها، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة معاينة الملائكة الطيبة، ورؤية الله تعالى التي لم ينلها أحد في الدنيا من أفراد الأمم وآحاد الأنبياء غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو إنما رآه تعالى بعد العبور عن حد الدنيا، وهو الأفلاك السبعة التي هي من عالم الكون والفساد.

ووصفه (٣) بالكبر لكون التكلم بما تكلموا به من هذه المقالة الشنيعة في


(١) التأويلات النجمية.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.