للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تقريعه ولومه بالكلام، فبينهما مغايرة، كذا ذكره البيضاوي، وفي "الصاوي": أنّهما متحدان، ومعناهما: عدم المؤاخذة، ولم يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم، مع أنّهم ناقضون للعهد بتلك المقالة؛ لأنَّ الواقعة كانت بعد غزوة أحد، فكان الإذن في القتال حاصلًا، فالجواب: أنَّ القتال المأذون فيه كان للمشركين، وأمَّا أهل الكتاب، فلم يؤمروا بقتالهم إلّا في غزوة الأحزاب، قيل: قبلها، وقيل: بعدها، فقتَلَ بني قريظة، وأجلَى بني النضير، وغزا خيبر. وقال ابن كثير (١): عن ابن عباس قوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} منسوخٌ بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وبقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا قال أبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة والسدي: إنّها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضًا قوله تعالى: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى: {بِأَمْرِهِ} فيهم؛ أي: فاعفوا واصفحوا عنهم حتى يبيِّن الله سبحانه حكمه فيهم؛ أي: بقتل قريظة، وسبيهم، وإجلاء بني النضير، وإذلالهم، بضرب الجزية عليهم، أو بإذنه في القتال.

والمعنى (٢): حتى يحكم الله بحكمه الذي هو الإذن في قتالهم، وضرب الجزية عليهم، أو قتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير. روي أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في أن يقتلوا هؤلاء اليهود الذين كفروا بأنفسهم، ودعوا المسلمين إلى الكفر، فنزلت الآية بترك القتال، والإعراض عن المكافأة إلى أن يجيء الإذن من الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه {قَدِيرٌ} فهو يقدر على الانتقام منهم بالقتل والإجلاء، وينتقم منهم إذا جاء أوانه، ففيه وعيدٌ وتهديدٌ لهم. والمعنى: أنّه تعالى قويٌّ قادرٌ على كل شيء، إن شاء انتقم منهم، وإن شاء هداهم. له الخلق والأمر. ولمَّا أمر الله سبحانه وتعالى، المؤمنين بالعفو والصفح عن اليهود، أمرهم بما فيه صلاحُ أنفسهم من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، الواجبتين، فقال:

١١٠ - {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}


(١) ابن كثير.
(٢) روح البيان.