للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الطهور عند جريانه في الأودية؛ أي: اجتماعه في الحياض، أو المنابع والآبار. وسقى وأسقى لغتان بمعنى، يقال: سقاه الله الغيث وأسقى، والاسم: السقيا كما سيأتي. وقرأ (١) عبد الله وأبو مجلز وأبو رجاء والضحاك وأبو حيوة وابن أبي عبلة والأعمش وعاصم وأبو عمرو في رواية عنهما {ونَسقيه} بفتح النون، ورويت عن عمر بن الخطاب.

والمعنى: أي وأنزلناه لنحيي به أرضًا طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها، وبذلك الماء يزدهر الشجر والنبات والأزهار، وذلك أشبه بالحياة للإنسان والحيوان، وأنزلناه ليشرب منه الحيوان والإنسان.

{مِمَّا خَلَقْنَا} متعلق بـ {نسقيه} {أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} بدل (٢) من محل الجار والمجرور؛ أي: ولنسقي ذلك الماء بعض خلقنا من الأنعام والأناسي، ويجوز أن يكون {أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ} مفعول {نُسقيه}، و {مِمَّا خَلَقْنَا} متعلق بمحذوف حال من: {أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ}؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها؛ أي: ولنسقيه أنعامًا وأناسي كثيرًا كائنات مما خلقنا. والأنعام: جمع نعم؛ وهي الأموال الراعية. والأناسي جمع إنسان كما سيأتي بسطه. و {كَثِيرًا}: صفة {أناسي}؛ لأنه بمعنى بشرًا، والمراد بهم أهل البوادي الذين يعيشون بالمطر، ولذا نكر الأنعام والأناسي، يعني: أن التنكير للإفراد النوعي، وتخصيصهم بالذكر؛ لأن أهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار والمنابع، فلا يحتاجون إلى سقيا السماء، وسائر الحيوانات من الوحوش والطيور تبعد في طلب الماء، فلا يعوزها الشرب غالبًا.

يقال: أعوزه الشيء إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه.

وخص الأنعام بالذكر (٣)؛ لأنها قنية للإنسان؛ أي: يقتنيها ويتخذها لنفسه، لا لتجارة، وعامة منافعهم ومعايشهم منوطة بها، فلذا قدّم سقيها على سقيهم،


(١) البحر.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.