للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأرشد إلى ما في الكون من باهر الآيات وعظيم المشاهدات التي تدل على بديع قدرته وجليل حكمته .. أعاد الكرّة مرة أخرى، وبيّن شناعة أقوالهم وقبيح أفعالهم؛ إذ هم مع كل ما يشاهدون لا يرعوون عن غيهم، بل هم عن ذكر ربهم معرضون، فلا يعظمون إلا الأحجار والأوثان، وما لا نفع فيه إن عبد، وما لا ضر فيه إن ترك، إلى أنهم يظاهرون أولياء الشيطان، ويناوئون أولياء الرحمن، وإن تعجب لشيء فاعجب لأمرهم، فقد بلغ من جهلهم أنهم يضارّون من جاء لنفعهم؛ وهو الرسول الذي يبشرهم بالخير العميم إذا هم أطاعوا ربهم، وينذرهم بالويل والثبور إذا هم عصوه، ثم هو على ذلك لا يبتغي أجرًا، ثم أمر رسوله بأن لا يرهب وعيدهم، ولا يخشى بأسهم، بل يتوكل على ربه ويسبح بحمده، ويسبحه عما لا يليق به من صفات النقص كالشريك والولد، وهو الخبير بأفعال عباده، فيجازيهم بما يستحقون.

قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) وصف الكافرين بالإعراض عن عبادته، والنفور من طاعته، والسجود له سبحانه .. ذكر هنا أوصاف خلّص عباده المؤمنين، وبيّن ما لهم من فاضل الصفات وكامل الأخلاق التي لأجلها استحقوا جزيل الثواب من ربهم، وأكرم لأجلها مثواهم، وقد عدّ من ذلك تسع صفات مما تشرئبّ إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين الذين يبتغون المثوبة، ونيل النعيم كفاء ما اتصفوا من كريم الخلال، وأتوا به من جليل الأعمال.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ...} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود قال (٢): سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن


(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.