للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اعتبارًا لمعنًى مِن {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا في الدنيا، والمعنى: أي: إنّ (١) الذين أسلموا وجوههم لله، وأحسنوا العمل، لا تُساوِرُ نفوسَهم مخاوفُ، ولا أحزانٌ، كما تختلج صدور الذين أشرب قلوبهم حبُّ الوثنية، وأعرضوا عن الهداية، إذ من طبيعة المؤمن أنّه إذا أصابه مكروهٌ بحث عن سببه، واجتهد في تلاوته، فإن لم يمكنه دفعه، فوَّض أمره إلى ربه، ولم يضطرب، ولم تهن له عزيمةٌ، علمًا منه بأنَّه قد ركن إلى القوة القادرة على دفع كُلِّ مكروه. وتوكَّل على من بيده دفع كُلِّ محظور.

أمَّا عابدوا الأوثان والأصنام، فهم في خوف مما يستقبلهم، وحزن مما ينزل بهم، فإذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم، داخلهم الهلع، ولم يستطيعوا صبرًا على البأساء، وهم يَسْتَخْذُون للدجَّالين، والمُشَعْوِذين، ويعتقدون سَلْطَنةً غيبيَّة لكل من يعمل عملًا لا يهتدون إلى معرفة سببه. والآية (٢) ترشد إلى أنَّ الإيمان الخالص لا يكفي وحده للنجاة، بل لا بدّ أن يقرن بإحسان العمل، وقد جَرَتْ سنة القرآن، إذا ذكر الإيمان أردفه عمل الصالحات، كقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} ثُمَّ ذكر مقال كلٍّ من الفريقين في الآخرة بقوله:

١١٣ - {وَقَالَتِ الْيَهُودُ ...} إلخ. بيان لتضليل كل فريق من اليهود والنصارى صاحبه بخصوصه، إثر بيان تضليله كُلَّ من عداه على وجه العموم؛ أي: وقالت اليهود {لَيْسَتِ النَّصَارَى} في دينهم {عَلَى شَيْءٍ}؛ أي: على أمر يصحُّ، ويعتدُّ به عند الله؛ أي: ليسوا على صواب، فكفروا بعيسى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} في دينهم {عَلَى شَيْءٍ}؛ أي: على أمر يصحُّ، ويعتدُّ به عند الله تعالى، أي: ليسوا على صواب، فكفروا بموسى، وهذه المقالة منهما أصدق مقالةٍ قالتها اليهود والنصارى، وجملة قوله: {وَهُمْ يَتْلُونَ


(١) المراغي.
(٢) المراغي.