للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان كل نبت متضمنا لفائدة وحكمة؛ لاختصاصه بالدلالة على القدرة والنعمة معًا.

واعلم: أنه سبحانه كما أنبت من أرض الظاهر كل صنف ونوع من النبات الحسن الكريم، كذلك أنبت في أرض قلوب العارفين كل نبت من الإيمان والتوكل واليقين والإخلاص والأخلاق الكريمة، كما قال عليه السلام: "لا إله إلَّا الله ينبت الإيمان كما ينبت البقل"، قال أبو بكر بن طاهر: أكرم زوج من نبات الأرض آدم وحواء، فإنهما كانا سببًا في إظهار الرسل والأنبياء والأولياء والعارفين. اهـ. وقال الشعبي: الناس من نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.

والمعنى: أغفل هؤلاء المشركون وأصروا على ما هم عليه من الكفر بالله، وتكذيب رسوله، ولم يتأملوا في الأرض وكثرة ما فيها من أصناف النبات المختلفة الأشكال والألوان مما يدل على باهر القدرة وعظيم سلطان ذلك العلي الكبير؟!

والخلاصة: كيف اجترؤوا على مخالفة الرسول وتكذيب كتابه، وإلهه هو الذي خلق الأرض، وأنبت فيها الزرع والثمار والكروم على ضروب شتى وأشكال مختلفة تبهر الناظرين، وتسترعي أنظار الغافلين.

٨ - ثم بيّن أنهم قوم فقدوا وسائل الفكر، وعدموا التأمل والنظر في الأكوان، ومن ثم فهم جاحدون، فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} الإنبات المذكور، أو في كل واحد من تلك الأصناف {لَآيَةً} عظيمة دالة على كمال قدرة منبتها، وغاية وفور علمه، ونهاية سعة رحمته، موجبة للإيمان، زاجرة عن الكفر {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ}؛ أي: أكثر قوم النبي - صلى الله عليه وسلم - {مُؤْمِنِينَ} مع ذلك؛ لغاية تماديهم في الكفر والضلال وانهماكهم في الغي والجهالة.

و {كَانَ} (١) صلة عند سيبويه؛ لأنه لو حمل على معنى ما كان أكثرهم في


(١) روح البيان.