للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نجزم بعدد معين، وما في كتب التاريخ والتوراة مبالغات يصعب تصديقها كما ذكرنا, ولا ينبغي التعويل عليها، فخير لنا أن لا نشغل أنفسنا باستقصاء تفاصيلها، وقد فند ابن خلدون في مقدمة تاريخه هذه الروايات، وأبان ما فيها من مغالاة لا يقبلها العقل، ولا تثبت أمام البحث العلمي الصحيح.

٥٧ - وقد جازى الله فرعون وجنوده بما أرادوا أن يجازوا به بني إسرائيل، فأهلكوا جميعًا، كما قال سبحانه: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ}؛ أي: (١) فأخرجنا فرعون وقومه بأن خلقنا فيهم داعية الخروج بهذا السبب، فحملتهم عليه، يعني أنهم وإن

خرجوا باختيارهم إلا أنه أسند الإخراج إليه تعالى من حيث الخلق المذكور {مِنْ جَنَّاتٍ}؛ أي: من بساتين كانت ممتدة على حافتي النيل من أسوان إلى رشيد {وَعُيُونٍ} وأنهار جارية من الماء

٥٨ - {وَكُنُوزٍ}؛ أي: وأموال ظاهرة من الذهب والفضة ونحوهما. سمّاها كنزًا؛ لأن ما لا يؤدي منه حق الله تعالى فهو كنز، وإن كان ظاهرًا على وجه الأرض، وما أدي منه فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، والكنز: المال المجموع المحفوظ.

فائدة: والفرق بين الكنز والركاز والمعدن أن الركاز: المال المركوز؛ أي: المدفون في الأرض مخلوقًا كان أو موضوعًا. والمعدن: ما كان مخلوقًا. والكنز: ما كان موضوعًا. قال في "خريدة العجائب": وفي أرض مصر كنوز كثيرة، ويقال: إن غالب أرضها ذهب مدفون حتى قيل: إنه ما فيها موضع إلا وهو مشغول من الدفائن.

{وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}؛ أي: مجلس حسن. قيل (٢): أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت لهم. قيل: إنه إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاث مئة كرسي من ذهب، يجلس عليها الأشراف من قومه والأمراء، وعليهم أقبية الديباج مخوصة بالذهب. وقيل: أراد به المنازل الحسنة، وهذا أظهر، ومن ذلك قول الشاعر:

وَفَيْهِمْ مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وَجُوْهُهَا ... وَأَنْدِيَةٌ يَنْتَابُهَا الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.