للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على تبليغ الرسالة وأدائها {مِنْ أَجْرٍ} وجعل {إِنْ أَجْرِيَ}؛ أي: ما أجري وثوابي على تبليغ الرسالة إليكم {إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ لأنه هو الذي أرسلني، فكان أجري عليه، وهو بيان لتنزهه عن المطاع الدنية والأغراض الدنيوية.

وقد (١) جاءت هذه المقالات من قوله: {أَلَا تَتَّقُونَ} إلى هنا على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب؛ للتنبيه على أن بعثة الأنبياء أسسها الدعاء إلى معرفة الله سبحانه وطاعته فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب، وأن الأنبياء مجتمعون على ذلك، وإن اختلفوا في تفصيل الأحكام تبعًا لاختلاف الأزمنة والعصور، وأن الأنبياء منزهون عن المطامع الدنيوية، لا يأبهون بها, ولا يجعلونها قبلة أنظارهم ومحط رحالهم.

١٢٨ - ولما فرغ من دعائهم إلى الإيمان .. أتبعه بإنكار بعض ما هم عليه، فقال: {أَتَبْنُونَ} {الهمزة}: للاستفهام الإنكاري {بِكُلِّ رِيعٍ} - بكسر الراء وفتحها - جمع ريعة، كذلك؛ أي في كل مكان مرتفع {آيَةً}؛ أي: بناء عاليًا متميزًا عن سائر الأبنية تفاخرًا حال كونكم {تَعْبَثُونَ} تلعبون (٢) ببنائه، فإن بناء ما لا ضرورة فيه، وما كان فوق الحاجة، عبث. وقيل: المعنى؛ أي (٣): تبنون بكل مكان مرتفع علامة تعبثون فيها بمن يمر بكم وتسخرون منهم؛ لأنكم تشرفون من ذلك البناء المرتفع على الطريق، فتؤذون المارة وتسخرون منهم. قال الكلبي: إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم، حكاه الماوردي. وقيل: إنهم كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة؛ ليعرف بذلك غناهم تفاخرًا.

١٢٩ - {وَتَتَّخِذُونَ}؛ أي: وتجعلون لأنفسكم {مَصَانِعَ} وحياضًا عظيمة ومخازن للماء تحت الأرض تجمعون فيها ماء المطر ونحوه {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}؛ أي: راجين أن تخلدوا في الدنيا؛ أي: عاملين عمل من يرجو ذلك، فلذلك تحكمون بناءها. وقيل: {لعل} هنا للتشبيه؛ أي: كأنكم تخلدون. وقيل: للاستفهام التوبيخي؛


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.