للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المراد بهذه الجملة بيان أن فسادهم خالص، ليس معه شيء من الصلاح، فإن حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح.

والمعنى: أي ولا تطيعوا أمر رؤسائكم الذين تمادوا في معصية ربكم، واجترؤوا على سخطه، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون؛ وهو المذكورون في قوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٤٨) أي: يسعون في أرض الله بمعاصيه، ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعته.

وخلاصة هذا: لا تطيعوا رؤساءَكم وكبراءَكم الدعاة إلى الشرك والكفر ومخالفة الحق.

١٥٣ - ولما عجزوا عن الطعن في شيء مما دعاهم إليه .. عدلوا إلى التخييل إلى عقول الضعفاء والعامة {قَالُوا}؛ أي: قال قومه في جواب مقاله {إِنَّمَا أَنْتَ} يا صالح؛ أي: ما أنت إلا {مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}؛ أي: من الذين سحروا كثيرًا، حتى غلب على عقولهم؛ أي: من المسحورين مرة بعد أخرى حتى اختل عقله، واضطرب رأيه، فلا يقبل لك قول، ولا يسمع لك نصح. فبناء التفعيل لتكثير الفعل، أو: إلّا من البشر الذين لهم السحر والرئة، يأكلون كما نأكل، ويشربون كما نشرب، كما قال الفراء،

١٥٤ - فيكون قوله: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}؛ أي: مماثل لنا، تأكل كما نأكل، وتشرب كما نشرب تأكيدًا له. والمعنى (١): أنت بشر مثلنا، ولست بملك، فلا نؤمن بك {فَأْتِ بِآيَةٍ}؛ أي: بعلامة تدل على صدقك {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في دعواك أنك رسول إلينا.

فإن قلت (٢): لم قال هنا {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} بلا واو، وفي قصة شعيب: {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ} بواو، فما الفرق بين الموضعين؟

قلت: ما هنا بدل مما قبله، وثَمَّ معطوف على ما قبله، وخص ما هنا بالبدل؛ لأن صالحًا قلل في الخطاب، فقلّلوا في الجواب، وأكثر شعيب في


(١) المراغي.
(٢) فتح الرحمن.