للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لرضاهم به، ولذلك أخذوا جميعًا؛ أي: عقروها بعد أن مكث بين أظهرهم حينًا من الدهر، ترد الماء وتأكل المرعى.

روي (١): أن مسطعًا ألجأها إلى مضيق، فرماها بسهم، فسقطت، ثم ضربها قدار بالسيف في ساقيها. وكان قدار هذا قصيرًا دميمًا وابن زنا، اهـ شيخنا. قال مقاتل: فخرج في أبدانهم خراج مثل الحمص، فكان في اليوم الأول أحمر، ثم صار في الغد أصفر، ثم صار في الثالث أسود، وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وهلاكهم يوم الأحد، انفقعت فيه تلك الجراحات، وصاح عليهم جبريل صيحة، فماتوا بالأمرين، وكان ذلك ضحوة؛ أي: فعقروها وقتلوا مثل هذه الآية العظيمة {فَأَصْبَحُوا}؛ أي: صاروا {نَادِمِينَ} ومتحسرين على عقرها، وقتلها ندم الخائفين من العذاب العاجل، أو ندم التائبين عند معاينة العذاب، فلذلك لم ينفعهم الندم كفرعون حين ألجمه الغرق

١٥٨ - {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} الموعود على عقرها؛ أي: أهلكهم واستأصلهم، وهو صيحة جبريل عليه السلام.

فإن قلت (٢): كيف أخذهم العذاب بعدما ندموا على جنايتهم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "الندم توبة"؟

قلتُ: ندمهم كان عند معاينة العذاب، وهي ليست وقت التوبة، كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} الآية، وقيل: كان ندمهم ندم خوف من العذاب العاجل، لا ندم توبة فلم ينفعهم.

والمعنى: أي (٣) فعقروا الناقة فندموا على ما فعلوا حين علموا أن العذاب نازل بهم؛ إذ أنظرهم ثلاثة أيام، وفي كل يوم منها تظهر مقدمات نزوله كما مر، فندموا حيث لا ينفع الندم، فأخذهم العذاب، وزلزلت أرضهم زلزالًا شديدًا وجاءت صيحة عظيمة. اقتلعت منها قلوبهم، ونزل بهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، فأصبحوا في ديارهم جاثمين.


(١) المراح.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) المراغي.