للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الألسنة، فمن تعلمها أو علم غيره فهو مأجور؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب. واعلم أن الفارسية شعبة من لسان العجم المقابل للسان العرب. ولها فضل على سائر لغات العجم. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بها, ولذلك اختيرت في الترجمة عن التكبير في الصلاة لمن لا يعرف التكبير بالعربية.

وقال الزمخشري: {بِلِسَانٍ}؛ إما (١) أن يتعلق بـ {الْمُنْذِرِينَ}، فيكون المعنى: لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان؛ وهم خمسة: هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن يتعلق بـ {نَزَلَ} فيكون المعنى: نزله باللسان العربي المبين لتنذر به؛ لأنه لو نزله باللسان الأعجمي .. لتجافوا عنه أصلًا، وقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به، وفي هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك؛ لأنك تفهمه، ويفهمه قومك. ولو كان عجميًا .. لكان نازلًا على سمعك دون قلبك؛ لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها. انتهى.

ومعنى الآية: أي (٢) وإن هذا القرآن الذي تقدم ذكره في قوله: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ} أنزله الله سبحانه إليك، وجاء به جبريل عليه السلام، فتلاه عليك حتى وعيته بقلبك لتنذر به قومك بلسان عربي بيِّن واضح؛ ليكون قاطعًا للعذر مقيمًا للحجة، دليلًا إلى المحجة، هاديًا إلى الرشاد، مصلحًا لأحوال العباد.

وفي قوله: {عَلَى قَلْبِكَ} إيماء إلى أن ذلك المنزل محفوظ، وأن الرسول متمكن منه إلى أن القلب هو المخاطب في الحقيقة؛ لأنه موضع التمييز، والعقل والاختيار، وسائر الأعضاء مسخرة له، يرشد إلى ذلك قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" أخرجاه في "الصحيحين" ولأن القلب إذا غشي عليه، وقطع سائر الأعضاء .. لم يحصل له


(١) الكشاف.
(٢) المراغي.