للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المستعجل به عذابه تعالى مع ما فيه من رعاية الفواصل؛ أي: كيف (١) يستعجلون بعذابنا بنحو قولهم تارة: أمطر علينا حجارة من السماء، وأخرى فائتنا بما تعدنا. وقد تبين لهم كيف أخذنا للأمم الماضية، والقرون الخالية، والأقوام العاتية.

٢٠٥ - ثم أبان أن طول العمر لا يغني عنهم شيئًا، وأن العذاب واقع لا محالة، فقال: {أَفَرَأَيْتَ} معطوف على {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣)} وما بينهما اعتراض للتوبيخ. والهمزة مقدمة على الفاء، والأصل: فأرأيت بمعنى فأخبرني. والخطاب لكل من يصلح له كائنًا من كان. ولما كانت الرؤية من أقوى أسباب الإخبار بالشيء وأشهرها .. شاع استعمال أرأيت في معنى أخبرني. فالمعنى (٢): أخبرني يا من يصلح للخطاب.

{إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ}: إن جعلنا مشركي مكة متمتعين منتفعين {سِنِينَ} كثيرة مع طيب العيش، ولم نهلكهم

٢٠٦ - {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦)} من العذاب

٢٠٧ - {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) أي: لم يغن عنهم شيئًا، ولم ينفعهم تمتعهم المتطاول في رفع العذاب وتخفيفه. فـ {مَا} في {مَا أَغْنَى}: نافية، ومفعول {أَغْنَى} محذوف، وفاعله {مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}؛ أو أي شيء أغنى عنهم كونهم ممتعين ذلك التمتيع المؤبد على أن {ما} في {ما} كانوا مصدرية، أو ما كانوا يمتعون به من متاع الحياة الدنيا على أنها موصولة حذف عائدها، فـ {مَا} في {مَا أَغْنَى} مفعول مقدم لـ {أَغْنَى}، والاستفهام للنفي. {مَا كَانُوا} هو الفاعل. وهذا المعنى أولى من الأول؛ لكونه أوفق بصورة الإخبار، وأدل على انتفاء الإعناء على أبلغ وجه، وآكده كأن كل من شأنه الخطاب قد كلف بأن يخبر بأن تمتيعهم ما أفادهم، وأي شيء أغنى عنهم فلم يقدر أن يخبر بشيء من ذلك أصلًا. وقرىء {يُمَتَّعُونَ} اسكان الميم وتخفيف التاء، من أمتع الله زيدًا بكذا.

والمعنى: أي (٣) إن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) النسفي.