للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: جريًا على قاعدة العرب في تفننهم في الكلام، انتهى.

وقال أبو حيان (١): وأضاف الآيات إلى القرآن والكتاب المبين على سبيل التفخيم لها والتعظيم؛ لأن المضاف إلى العظيم عظيم، والكتاب المبين؛ إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين، وإما السورة، وإما القرآن وإبانتهما أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع، وأن إعجازهما ظاهر مكشوف، ونكر {وَكِتَابٍ مُبِينٍ}؛ ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له، كقوله: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}. وإذا أريد به القرآن فعطفه من عطف إحدى الصفتين على الأخرى؛ لتغايرهما في المدلول عليه بالصفة من حيث إن مدلول القرآن الاجتماع، ومدلول كتاب الكتابة، انتهى. ونظيره قولهم: هذا فعل السخي والجواد الكريم.

ومعنى الآية: أي إن (٢) هذه الآيات التي أنزلتها إليك أيها الرسول لآيات القرآن وآيات كتاب بين واضح لمن تدبَّره، وفكَّر فيه أنه من عند الله سبحانه أنزله إليك، لم تتقوله أنت ولا أحد من خلقه، إذ لا يستطيع ذلك مخلوق ولو تظاهر معه الجن والإنس.

وقرأ الجمهور (٣): {وَكِتَابٍ مُبِينٍ} بجر {كِتَابٍ} عطفًا على {الْقُرْآنِ}، أي: تلك آيات القرآن وآيات كتاب مبين. وقرأ ابن أبي عبلة وأبو المتوكل وأبو عمران: {وَكِتَابٍ مُبِينٍ} بالرفع فيهما عطفًا على {آيَاتُ}، والأصل: وآيات كتاب، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب بعرابه حالة كون تلك الآيات.

٢ - {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: هادية لهم ومبشرة لهم بالجنة، فأقيم المصدر مقام الفاعل؛ للمبالغة كأنها نفس الهدى والبشارة.

ومعنى هدايتها لهم وهم مهتدون أنَها تزيدهم هدى، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وأما معنى تبشيرها إياهم فظاهر؛ لأنها تبشرهم


(١) البحر المحيط.

(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير والبحر المحيط.