للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول الفقير: إنهم لما رأوا ما أنعم الله به على سليمان من الملك الكبير .. استقلوا بما عندهم حتى هموا بطرح اللبنات، إلا أنه منعتهم الأمانة من ذلك، فكيف امتنوا على سليمان بهديتهم، وافتخروا على أن حديث الحقة ونحوه إنما كان على وجه الامتحان لا بطريق الهدية كما عرف.

وفي "التأويلات" يشير إلى أن الهدية موجبة لاستمالة القلوب، ولكن أهل الدين لما عارضهم أمر ديني في مقابلة منافع كثيرة دنيوية .. رجحوا طرف الدين على طرف المنافع الكثيرة الدنيوية، واستقلوا كثرتها؛ لأنها فانية، واستكبروا قليلًا من أمور الدين؛ لأنها باقية، كما فعل سليمان لما جاءه الرسول بالهدية .. استغل كثرتها، وقال: فما آتاني الله من كمالات الدين والقربات والدرجات الأخروية خير مما آتاكم من الدنيا وزخارفها. {بَلْ أَنْتُمْ}: أمثالكم من أهل الدنيا بمثل هديتكم الدنيوية الفانية تفرحون؛ لخسة نفوسكم، وجهلكم عن السعادات الأخروية الباقية.

قال جعفر الصادق: الدنيا أصغر قدرًا عند الله وعند أنبيائه وأوليائه من أن يفرحوا بشيء منها، أو يحزنوا عليه، فلا ينبغي لعالم ولا لعاقل أن يفرح بعرض الدنيا.

وعبارة المراح هنا: قوله: {بِهَدِيَّتِكُمْ} فالمصدر (١) إما مضاف لفاعله؛ أي: تفرحون بما تهدونه افتخارًا على أمثالكم، واعتدادًا به من حيث إنكم قدرتم على إهداء مثله، وإما مضاف لمفعوله؛ أي: تفرحون بما يهدى إليكم حبًا في كثرة أموالكم، وحالي خلاف حالكم، فلا أفرح بالدنيا، وليست الدنيا من حاجتي. وقيل: بل أنتم بهديتكم هذه تفرحون باخذها إن رددت إليكم.

٣٧ - ثم قال سليمان عليه السلام للمنذر بن عمرو أمير الوفد: {ارْجِعْ} أيها الرسول (٢)، أفرد الضمير هاهنا بعد جمع الضمائر الخمسة فيما سبق؛ لأن الرجوع مختص بالرسول، والإمداد ونحوه عام. أو خص أمير الرسل بالخطاب هنا،


(١) المراح.
(٢) روح البيان.