للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنظر ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها، فجعل في آخر سبعة أبيات بعضها في داخل بعض، ثم غلقت عليه سبعة أبواب، وجعلت عليها حراسًا يحفظونه، ثم تجهزت للمسير، فارتحلت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك من ملوكها تحت كل ملك ألوف، فخرج سليمان يومًا فجلس على سريره فسمع وهجًا قريبًا منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس، وقد نزلت بهذا المكان؛ أي: الذي على مسيرة فرسخ من سليمان عليه السلام. فأقبل سليمان على جنوده فـ {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} والأشراف {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}؛ أي: من الذي منكم يأتيني بعرشها وسريرها؛ أي: بعرش بلقيس الذي تقدم وصفه بالعظم {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي}؛ أي: قبل أن تأتيني هي وقومها حالة كونهم {مُسْلِمِينَ}؛ أي: مؤمنين بالله وبرسوله؛ لأنه قد أوحي إليه أنها سوف تسلم.

قيل: أراد سليمان أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من إجراء العجائب على يده الدالة على عظيم قدرة الله تعالى، وعلى صدقه في نبوته، وكان سليمان إذ ذاك في بيت المقدس، وعرشها في سبأ بلدة باليمن، وبينها وبين بيت المقدس مسيرة شهرين، وأن يعرف مقدار مملكتها قبل وصولها إليه؛ لأن العرش سرير المملكة، وقيل: إنما أراد أخذ عرشها قبل أن يصلوا إليه ويسلموا؛ لأنها إذا أسلمت وأسلم قومها .. لم يحل أخذ أموالهم بغير رضاهم، وهذا (١) بعيد عند أهل التحقيق، أو أراد أن يؤتي به فينكر ويغير، ثم ينظر أتثبته أم تنكره، اختبارًا لعقلها، ولهذا قال: {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا}.

قال ابن عطية: وظاهر الروايات أن هذه المقالة من سليمان هي بعد مجيء هديتها ورده إياها وبعثه الهدهد بالكتاب، وعلى هذا جمهور المتأولين. انتهى. وقيل: أراد أن يختبر صدق الهدهد في وصفه للعرش بالعظم. والقول الأول هو الذي عليه الأكثر.

٣٩ - {قَالَ عِفْرِيتٌ}؛ أي: مارد خبيث {مِنَ الْجِنِّ} بيان له؛ إذ يقال للرجل


(١) النسفي.