للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال: أخاف أن يكون هذا عوضًا لما سقيته، وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا، لأنه كان من بيت النبوة من أولاد يعقوب، فقال شعيب: لا والله يا شاب، ولكن هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا، فتناول هذا، وإنَّ مَنْ فعل معروفًا فأُهدي إليه شيء لم يحرم أخذه، وفي "الكشاف": أنَّ طلب الأجرة لشدة الفاقة غير منكر، وهو جواب آخر، ويشهد لصحته {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} اهـ.

والمعنى (١): أي فجاءته إحدى المرأتين تمشي، وهي حيية، قد سترت وجهها بثوبها، قائلة: إن أبي يدعوك ليكافئك على ما صنعت من الإحسان, وأسديت إلينا من المعروف بسقي غنمنا، قال عمرو بن ميمون: ولم تكن سلفعًا من النساء - جريئة على الرجال - خرَّاجة ولَّاجة، وقد أسندت إلى أبيها وعللتها بالجزاء، حتى لا يتوهم من كلامها شيء من الريبة، كما أن في كلامها دلالة على كمال العقل، والحياء والعفة كما لا يخفى.

ولما قدمت هذه المرأة إلى موسى أجابها تبركًا بالشيخ وزيارة له، لا طمعًا في الأجر، {فَلَمَّا جَاءَهُ}؛ أي: فلما جاء موسى هذا الشيخ {وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ}؛ أي: وحدثه حديثه مع فرعون وآله، في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم للعباد، وتآمرهم على قتله، وهربه منهم بعد الذي علمه.

والقصص مصدر، سمي به المفعول كالعلل؛ أي: المقصوص، يعني: أخبره بجميع ما اتفق له، من عند قتله القبطي إلى عند وصوله إلى ماء مدين، {قَالَ} شعيب {لَا تَخَفْ} من حولهم وطولهم، إنك قد {نَجَوْتَ مِنَ} سطوة أولئك {الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}؛ أي: من فرعون وقومه، فإنه لا سلطان لهم بأرضنا، ولسنا في مملكتهم، أو المعنى: قَبِل الله دعاءك في قولك: {نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

وفيه (٢): إشارة إلى أن مَنْ وقع في الخوف يقال له: {لَا تَخَفْ} كما أن من وقع في الأمن يقال له: خف، وقال أويس القرني - رحمه الله تعالى -: كن في


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.