للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلتُ: لا يُغني أولها عن آخرها، إذ معنى أولها وما كنت يا محمد حاضرًا إذ أوصلنا إلى موسى الوحي في الجانب الغربي من جبل الطور، ومعنى آخرها وما كنت من الشاهدين؛ أي: من الحاضرين قصته مع شعيب عليهم السلام، فاختلفت القصتان فلا إيراد على الآية.

وقوله: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} إما على (١) حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه؛ أي: وما كنت بجانب الجبل الغربي، أو بجانب المكان الغربي الذي وقع فيه مناجاة موسى مع ربه، أو من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع؛ أي: بالجانب الغربي، وعلى كلا التقديرين فجبل الطور غربي من موسى عليه السلام.

٤٥ - {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا}؛ أي: أوجدنا وخلقنا {قُرُونًا}، كثيرة، وأممًا عديدة، بين زمانك يا محمد، وبين زمان موسى {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ}؛ أي: على أولئك القرون {الْعُمُرُ} والأمد والحياة والأجل، فلم يؤمنوا، فأهلكناهم قرنًا بعد قرن؛ أي (٢): طالت أعمارهم، وامتدت مهلتهم، وتمادت حياتهم، وفترت النبوة، واندرست العلوم، ووقع التحريف في كثير منها، فتغيرت الشرائع والأحكام، وعميت عليهم الأنباء، وكادت الأخبار تخفى، لا سيما على آخرهم، فاقتضى الحال التشريع الجديد، فأرسلناك مجددًا لتلك الأخبار، مبينًا ما وقع فيه التحريف، وأعطيناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى، كأنه قال: وما كنت شاهدًا لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحيناه إليك، ليكون إخبارك عن قصته معجزة لك، وبرهانًا على صدقك، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة، ودل به على المسبب الذي هو الوحي، اختصارًا.

وعبارة أبي حيان: فإن قلت: كيف يتصل قوله: {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا} بهذا الكلام، ومن أي جهة يكون استدراكًا؟

قلت: اتصاله به وكونه استدراكًا من حيث إن معناه: ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك قرونًا كثيرة فتطاول على آخرهم، وهو القرن الذي أنت فيهم


(١) ووح البيان.
(٢) النسفي.