للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَهُوَ}؛ أي: ذلك الموعود له {لَاقِيهِ}؛ أي: لاقي ذلك الوعد الحسن، ورائيه ومصيبه ومدركه لا محالة، لاستحالة الخلف في وعده تعالى محمدًا وأصحابه، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، {كَمَنْ} موصولة خبر للأولى؛ أي: كمن {مَتَّعْنَاهُ} وأعطيناه {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} من المال والخدم، كأبي جهل وأضرابه.

وقوله تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} للحساب أو النار والعذاب، معطوف (١) على قوله: {مَتَّعْنَاهُ} داخل معه في حيز الصلة، مؤكد لإنكار التشابه ومقرر له.

والمعنى: ثم هذا الذي متعناه هو يوم القيامة من المحضرين النار، وتخصيص المحضرين بالذين أُحضروا للعذاب اقتضاه المقام، والاستفهام للإنكار كما مر؛ أي: ليس حالهما سواء، فإن الموعود بالجنة لا بد أن يظفر بما وُعد به، مع أنه لا يفوته نصيبه من الدنيا، وهذا حال المؤمن، وأما حال الكافر فإنه لم يكن معه إلا مجرد التمتع بشيء من الدنيا، يستوي فيه هو والمؤمن، وينال كل واحد منهما حظه منه، وهو صائر إلى النار، فهل يستويان؟ لا.

وقرأ طلحة: {أمن وعدناه} بغير فاء، وقرأ الجمهور: {ثم هو} بضم الهاء، وقرأ الكسائي وقالون: بسكون الهاء إجراءً لثم مجرى الواو والفاء.

وعبارة البروسوي هنا قوله: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (٢) وثم للتراخي في الزمان؛ أي: لتراخي حال الإحضار عن حال التمتيع، أو في الرتبة. ومعنى الفاء في {أَفَمَنْ} ترتيب إنكار التشابه بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، على ما قبلها من ظهور التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وبين ما عند الله؛ أي: أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوى بين الفريقين؛ أي: لا يسوَّى بينهما، فليس من أكرم بالوعد الأعلى ووجدان المولى، وهو المؤمن، كمن أُهين بالوعيد والوقوع في الجحيم في العقبى، وهو الكافر، وذلك بإزاء شهوة ساعة وجدها في الدنيا،


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.