للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متصفًا بالعلم الذي عندي، وفُضِّلت به على الناس بالمال والجاه، فكان ذلك لفضل علمي بالتوراة واستحقاقي لذلك؛ أي: لأني أقرأ بني إسرائيل للتوراة، كما قاله قتادة ومقاتل والكلبي؛ أي: فهذا العلم الذي جعله سببًا لما ناله من الدنيا، قيل: هو علم التوراة، وقيل: علمه بوجوه المكاسب والتجارات، وقيل: معرفة الكنوز والدفائن، وقيل: علم الكيمياء.

قال سعيد بن المسيب والضحاك: كان موسى عليه السلام أُنزل عليه علم الكيمياء من السماء، فعلم قارون ثلث العلم، ويوشع ثلثه، وغالب ثلثه، فخدعهما قارون حتى ضم علمهما إلى علمه، فكان يأخذ الرصاص فيجعله فضة، والنحاس فيجعله ذهبًا، وكان ذلك سبب كثرة أمواله، وقيل (١) المعنى: إن الله آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها، لفضل علمه منى، واختار الزجاج هذا المعنى، وأنكر ما عداه. وتلخيص ذلك: إني إنما أعطيته لعلم الله أني له أهلٌ.

وقال في "روح البيان": والمعنى أوتيته حال كوني مستحقًا لما فيَّ من علم التوراة، وكان أعلمهم بها، ادعى استحقاق التفضيل على الناس واستيجاب التفوق بالمال والجاه بسبب العلم، ولم ينظر إلى منة الله تعالى وفضله، ولذا هلك، وهكذا كل من كان على طريقه في الادعاء والافتخار والكفران، فإنه يهلك يومًا بشؤم معصيته وصنيعه. انتهى.

قال الزجاج (٢): علم الكيمياء لا حقيقة له، وفي "الكواشي": ومتعاطي هذا العلم الكثير كذبه، فلا يلتفت إليه، قال بعضهم: وهذا أولى من قول الزجاج، فإن فيه إقرارًا بأصله في الجملة، وكذا بوجوده، والكيمياء له حقيقة صحيحة، وقد عمل به بعض الأنبياء، وكُمل الأولياء، فإنه لا شك في الاستحالة والانقلاب بعد تصفية الأجساد، وتطهيرها من الكدورات، وقد بُيِّن في موضعه، ورأيت من وصل إليه بلا تكبر، والله العلم الخبير.


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.