للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونعيمه، فإن هذا باق، وذاك فان، وهذا خالص مما يشوبه وينغصه من الأكدار، وذلك مشوب بالأحزان والمنغصات.

ثم بين من يعمل بهذه النصيحة فقال: {وَلَا يُلَقَّاهَا}؛ أي: ولا يوفق إلى هذه الكرامة، والمراد بالكرامة الثواب والجنة، أو لا يُعطى هذه الكلمة التي تكلم بها العلماء، وهي ثواب الله خير، أو لا يُعطى هذه الطريقة التي هي الإيمان والعمل الصالح، {الصَّابِرُونَ} على مخالفات النفس وموافقات الشريعة.

والمعنى (١): أي ولا يتبع هذه النصيحة، ولا يعمل بها إلا من صبر على أداء الطاعات، واجتنب المحرمات، ورضي بقضاء الله في كل ما قُسم له من المنافع والمضار، وأنفق ماله في كل ما فيه سعادة لنفسه وللمجتمع، وكان قدوة صالحة في حفظ مجد أمته، ورفع صيتها بين الأمم، ببذل كل ما فيه نفعها وقوتها وإعلاء شأنها، وبذا ينال حسن الأحدوثة بين الناس، ويلقى المثوبة من ربه.

٨١ - {فَخَسَفْنَا بِهِ}؛ أي: بقارون {وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}؛ أي: زلزلنا به وبمنزله الأرض، وابتلعته جزاء بطره وعتوه؛ أي: إن الله سبحانه غيَّبه وغيَّب داره في الأرض.

وفي هذا (٢): عبرة لمن اعتبر، فيترك التعالي والتغالي في الزينة، لئلا يخسف الله به وبماله الأرض، وفي هذا تحذير لنا أيما تحذير، فكثير ممن يُظهرون النعم إنما يريدون التعالي والتفاخر، وكم ممن يقيم الزينات أو يصنع الولائم لعرس، أو مأتم، لا يريد بذلك إلا إظار ثرائه وسعة ماله بين عشيرته وبني جلدته، فيكون قارون زمانه، وتكون عاقبته الخسف لما أوتيه من مال، ويذهب ثراؤه، ويجعله عبرة لمن اعتبر.

فالكتاب الكريم ما قص علينا هذا القصص إلا ليرينا أن الكبرياء والتعالي ليس وبالهما في الآخرة فحسب، بل يحصل شؤما في الدنيا قبل الآخرة، كما حصل لكثير من المسلمين اليوم، وقد غفل كثير من الناس عن المقصد من


(١) المراغي.
(٢) المراغي.