للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المال، فأنفقوه قاصدين به الرياء والمباهاة، فضاعت دورهم وأموالهم وأصبحت ملكًا لغيرهم، وهذا هو الخسف العظيم، وما خُسف قارون بشيء إذا قيس بهذا، فإن الخسف الآن خسف الأمم، لا خسف الأفراد، فكل بلد من بلاد الإسلام يدخله الغاصب يصبح أهله عبيدًا له، وضحية مطامعه، وخسف أمة أدهى من خسف فرد، فليخسف الفرد ولتبق الأمة، وهكذا دخلت البلاد تباعًا في ملك الغاصب واحدة إثر أخرى، ولم يبق منها إلا ما رحم الله، وما ذاك إلا بجهلها لدينها، وعدم اتباعها أحكامه، وغفلتها عن مقاصده.

ذكر قصة قارون

قال أهل العلم بالأخبار والسير (١): كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون، وأقرأهم للتوراة، وأجملهم وأغناهم، وكان حسن الصوت فبغى وطغى، وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يُعلِّقوا في أرديتهم خيوطًا أربعة، في كل طرف خيطًا أخضر كلون السماء، يذكرونني به إذا نظروا إلى السماء، ويعلمون أني منزل منها كلامي، فقال موسى: يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضرًا، فإن بني إسرائيل تستصغر هذه الخيوط، فقال له ربه: يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير، فإذا لم يُطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير، فدعاهم موسى فقال: إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطًا خضرًا كلون السماء، لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها، ففعل بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى، واستكبر قارون، فلم يطعه، وقال: إنما فعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم، فكان هذا بدء عصيانه وبغيه، فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جُعلت الحبورة لهارون، وهي رئاسة المذبح، فكان بنو إسرائيل يأتون بقربانهم إلى هارون، فيضعها على المذبح، فتنزل نار من السماء فتأكله، فوجد قارون من ذلك في نفسه، فأتى إلى موسى فقال له: يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة، ولست في شيء من


(١) الخازن.