للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حرف تنبيه واستفتاح، تقديره: ألا جادلوهم بالتي هي أحسن.

{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (١) بالإفراط في الاعتداء والعناد، فإن الكافر إذا وصف بمثل الفسق والظلم .. حمل على المبالغة فيما هو فيه، أو بإثبات الولد لله، وهم أهل نجران، أو بنبذ العهد ومنع الجزية ونحو ذلك، كقولهم: يد الله مغلولة، فلا بأس بالإغلاظ عليهم، والتخشين في مجادلتهم، فإنه يجب حينئذ الموافقة بما يليق بحالهم، من الغلظة باللسان، وبالسيف والسنان.

وعبارة "المراح" هنا: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ}؛ أي: ولا تخاصموا (٢) اليهود والنصارى إلا بالأحسن؛ أي: بعدم استخفاف آرائهم، وبعدم نسبة آبائهم إلى الضلال؛ لأنهم جاؤوا بكل حسن، غير الاعتراف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم آمنوا بإنزال الكتب، وارسال الرسل، وبالحشر، ففي مقابلة إحسانهم يجادلون بالأحسن، إلا الذين أشركوا منهم، بإثبات الولد لله، وبالقول بثالث ثلاثة، فيجادلون حينئذٍ بالأخشن، من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم، كالمشرك الذي جاء بالمنكر من غيرهم، فاللائق أن يجادل بالأخشن، ويبالغ في تهجين مذهبه، وتوهين شبهه. اهـ.

وعبارة "الخازن" هنا: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}؛ أي: أبوا أن يعطوا الجزية، ونصبوا الحرب ففاجؤوهم بالسيف، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، ومعنى الآية: إلا الذين ظلموكم؛ لأن جميعهم ظالم بالكفر، وقيل: هم أهل الحرب ومن لا عهد له، وقيل: الآية منسوخة بآية السيف اهـ.

هكذا (٣) فسر الآية أكثر المفسرين، بأن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وقيل: معنى الآية: لا تجادلوا من آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وسائر من آمن منهم، إلا بالتي هي أحسن، يعني بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أهل الكتاب، ويكون المراد بالذين ظلموا


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) الشوكاني.