للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: خيفةً كائنةً مثل خيفتكم من أمثالكم من الأحرار المشاركين لكم فيما ذكر من الحرية، وملك الأموال وجواز التصرف، والمقصود: نفي الأشياء الثلاثة: الشركة بينهم وبين المملوكين، والاستواء معهم وخوفهم، وليس المراد ثبوت الشركة، ونفي الاستواء والخوف، كما قيل في قولهم: ما تأتينا فتحدثنا. والمراد: نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية.

والمعنى (١): أي لا ترضون بأن يشارككم فيما بأيديكم من الأموال المستعارة مماليككم، وهم عندكم أمثالكم في البشرية، غير مخلوقين لكم، بل الله تعالى، فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية - التي هي من خصائصه الذاتية - مخلوقه، بل مصنوع مخلوقه، حيث تصنعونه بأيديكم، ثم تعبدونه.

والمراد: إقامة الحجة على المشركين، فإنهم لا بد أن يقولوا: لا نرضى بذلك، فيقال لهم: فكيف تنزهون أنفسكم عن مشاركة المملوكين لكم، وهم أمثالكم في البشرية، وتجعلون عبيد الله شركاء له، فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة .. بطلت الشركة بين الله وبين أحد من خلقه، والخلق كلهم عبيد الله تعالى، ولم يبق إلا أنه الرب وحده لا شريك له.

وقرأ الجمهور (٢): {أنفسكم} بالنصب، على أنه معمول المصدر المضاف إلى فاعله، وقرأ ابن أبي عبلة، وابن أبي عبيدة: بالرفع على إضافة المصدر إلى مفعوله، وهما وجهان حسنان، ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول، مع وجود الفاعل، وفي الآية دليل على أن العبد لا ملك له؛ لأنه أخبر: أن لا مشاركة للعبيد فيما رزقنا الله سبحانه من الأموال.

{كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك التفصيل الواضح المذكور في هذا المثل {نُفَصِّلُ الْآيَاتِ}؛ أي: نبين ونوضح دلائل الوحدة، تفصيلًا واضحًا، وبيانًا جليًا، لا تفصيلًا أدنى منه، فإن التمثيل: تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس، فيكون في غاية البيان والإيضاح.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.