للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشدَّدة للتوكيد، فحذفت نون الرفع للجازم، فالتقى ساكنان الواو والنون الأولى المدغمة من نوني التوكيد، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين؛ لأنَّ نون التوكيد أولى بالبقاء؛ لدلالتها على معنى مستقلٍّ، وبقيت ضمّةُ التاء لتدلَّ على الواو المحذوفة، فصار تموتُنَّ {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} والشهداء: جمع شهيد بمعنى حاضر، وحضور الموت حضور أماراته، وأسبابه، وقرب الخروج من الدنيا {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ} جمع أبٍ على أفعال، أصله: أأباوٌ، أبدلت الهمزة الثانية حرف مدّ مجانسًا لحركة الأولى وهو الألف، ثم أبدلت الواو همزةً؛ لتطرُّفها إثر ألفٍ زائدةٍ {قَدْ خَلَتْ} فعلٌ ماض مؤنّثٌ لإسناده إلى ضمير المؤنَّث، وأصله: خلو بوزن فعل بفتح العين، قلبت الواو ألفًا؛ لتحركها بعد فتح، فلحقت بالفعل تاء التأنيث الساكنة فالتقى ساكنان، حيث صار اللفظ خَلاْت، فحذفت الألف؛ لالتقاء الساكنين، فصار خلت بوزن فعت.

البلاغة

وقد تضمَّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع: فمنها: التعبير بصيغة الاستقبال في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}؛ لحكاية الحال الماضية، ومعنى حكاية الحال الماضية: أن يفرض ويقدَّر الواقع الماضي واقعًا وقت التكلم، ويخبر عنه بالمضارع الدال على الحال، وفي ذلك غرضٌ معروفٌ عند أهل المعاني، وهو استحضار الصورة الماضية، كأنّها مشاهدة بالعيان، فكأنَّ السامعُ ينظرُ إلى البُنْيانِ وهو يرتفعُ، والبَنَّاءِ وهو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}؛ لأنه على تقدير القول؛ أي: يقولان: ربَّنا تقبَّل منَّا.

ومنها: الاستفهام الإنكاري الذي يراد به التقريع، والنفي في قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ}؛ لأنَّ الجملة واردةٌ مورد التوبيخ والتقريع للكافرين، كما