للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السوء .. يئسوا وأبلسوا، وانقطع رجاؤهم من الخير، فقال: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا}؛ أي: وعزتي وجلالي لئن أرسلنا {رِيحًا} مضرة حارةً أو باردةً كالدبور ونحوها، فأفسدت زرع الكفار {فَرَأَوْهُ} ذلك الزرع {مُصْفَرًّا} متغيرًا بتأثير الريح بعد خضرته؛ أي: قد اصفر بعد خضرته، وقرب من الجفاف والهلاك.

وقال {مُصْفَرًّا}؛ لأن ذلك صفرة حادثة، وقيل: المعنى فرأوا السحاب مصفرًا؛ لأن السحاب الأصفر لا يمطر، والريح التي تصفر النبات: صر حرور، وهما مما يصبح به النبات هشيمًا، والحرور جنب الشمال إذا عصفت، وقرأ صباح بن حبيش {مصفارًا} بألف بعد الفاء، ذكره أبو حيان.

و {الفاء}: في قوله: {فَرَأَوْهُ} عاطفة على محذوف كما قدرنا، و {اللام} (١) في قوله: {لَظَلُّوا} لام جواب القسم الساد مسد الجوابين، ولذلك فسر الماضي بالاستقبال؛ أي: يظلون ويصيرون {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من اصفرار وتغير الزرع والنبات {يَكْفُرُونَ} من غير توقف ولا تأخر.

والمعنى: ولئن أرسلنا ريحًا حارةً أو باردةً فضرب زرعهم بالصفار .. لظلوا من بعد ذلك يكفرون بالله، ويجحدون نعمه، يعني يقيمون على الكفر بالله وبنعمته، وفي هذا دليل على سرعة تقلبهم، وعدم صبرهِم، وضعف قلوبهم، وليس كذا حال أهل الإيمان.

يعني (٢): أن الكفار لا اعتماد لهم على ربهم، فإن أصابهم خير وخصب .. لم يشكروا الله، ولم يطيعوه، وأفرطوا في الاستبشار، وإن نالهم أدنى شيء يكرهونه .. جزعوا ولم يصبروا، وكفروا سالف النعم، ولم يلتجئوا إليه بالاستغفار، وليس كذلك حال المؤمن، فإنه يشكر عند النعمة، ويصبر عند المحنة، ولا ييئس من روح الله، ويلتجىء إليه بالطاعة والاستغفار، ليستجلب الرحمة في الليل والنهار.

وحاصل المعنى: أي ولئن أرسلنا ريحًا حارةً أو باردةً على الزرع الذي


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.