للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البرزخ على طولها، وهم قد صرفوا في الآخرة عن معرفة مدة مكثهم في ذلك الحين.

{كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}؛ أي: كذبوا في قولهم: ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا في الدنيا يحلفون على الكذب، وهم يعلمون، والكلام مسوق للتعجب من اغترارهم بزينة الدنيا وزخرفها، وتحقير ما يتمتعون به من مباهجها ولذاتها، كي يقلعوا عن العناد، وهويرجعوا إلى سبل الرشاد، وكأنه قيل: مثل ذلك الكذب العجيب كانوا يكذبون في الدنيا، اغترارًا بما هو قصير الأمد من اللذات وزخارف الحياة.

٥٦ - ثم ذكر توبيخ المؤمنين لهم، وتهكمهم بهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} بكتاب الله، {وَالْإِيمَانَ} بالله في الدنيا من الملائكة والإنس لأولئك المنكرين، ردًا لقولهم، وإنكارًا لكذبهم، والله {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ}؛ أي (١): في علمه وقضائه الأزلي في أم الكتاب؛ أي: بحسب ما في علم الله تعالى في قبوركم من يوم مماتكم {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} وهو مدة مديدة، وغاية بعيدة لا ساعة حقيقة، وفي الحديث: "ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون"، وهو محتمل للساعات والأيام والأعوام، والظاهر أربعون سنة، أو أربعون ألف سنة.

ثم أخبروا بوقوع البعث تبكيتًا لهم؛ لأنهم كانوا ينكرونه فقالوا؛ {فَهَذَا} اليوم، (الفاء): واقعة في جواب شرط محذوف؛ أي: إن كنتم منكرين البعث.، فهذا اليوم الحاضر هو {يَوْمُ الْبَعْثِ} والحشر الذي أنكرتموه وكنتم توعدون في الدنيا؛ أي: فقد تبين بطلان إنكاركم.

وقرأ الحسن (٢): {البعث} بفتح العين في الموضعين، وقرىء: بكسرها، وهو اسم، والمفتوح: مصدر. {وَلَكِنَّكُمْ} من فرط الجهل، وتفريط النظر {كُنْتُمْ} في الدنيا {لَا تَعْلَمُونَ} أنه حق سيكون فتستعجلون به استهزاءً.

والمعنى: أي فهذا اليوم الحاضر، هو اليوم الذي أنكرتموه في الدنيا،


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.