للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قول من قال: معنى "أبردوا": صلوا في أول الوقت؛ أخذًا من برد النهار، وهو أوله؛ فهو تأويل بعيد، ويرده قوله: "فإن شدة الحر من فيح جهنم"؛ فإن التعليل المذكور يدل على أن التأخير هو المطلوب، واللَّه أعلم (١).

(عن الصلاة)، "أل" في الصلاة: للعهد؛ أي: صلاة الظهر، وفي لفظ: "بالصلاة" (٢)، وأما لفظة "عن"؛ فهي رواية الكشميهني، قيل: إنها زائدة، ومعنى أبردوا: أخروا؛ على سبيل التضمين، أو أنها بمعنى الباء، أو على أصلها؛ وهي للمجاوزة؛ أي: تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر (٣)، وجاء في حديث أبي سعيد الخدري التصريح بصلاة الظهر (٤).

(فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور، وهل الحكمة فيه دفع المشقة؛ لكونها قد تسلب الخشوع؟ وهذا أظهر، أو كونها الحالة التي ينشر فيها العذاب؟ ويؤيده حديث عمرو بن عنبسة (٥)، عند مسلم، حيث قال له: "أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس؛ فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" (٦).

واستشكل: بأن الصلاة مظنة وجود الرحمة، ففعلها مظنة لطرد العذاب، فكيف أمر -صلى اللَّه عليه وسلم- بتركها؟! وأجيب: بأن التعليل إذا جاء من جهة


(١) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٢/ ١٦ - ١٧).
(٢) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (٥١٢)، ومسلم برقم (٦١٥).
(٣) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٢/ ١٧).
(٤) رواه البخاري (٥١٣)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر.
(٥) في المخطوط: "عنبسة"، والتصويب من "صحيح مسلم".
(٦) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (٨٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>