للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد، وكنا نخاف عمر بن الخطاب، فواللَّه! إني لجالس في ملاءة مورسة على بابي، ما شعرت إلا بعمر بن الخطاب، فإذا معه عدة من المسلمين، فسلم ومضى، وجعلت أستحيي أن يراني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأذكر رؤيته إياي في كل موطن مع المشركين، ثم أذكر بره ورحمته، وصلته، فألقاه وهو داخل المسجد، فلقيني بالبشر، فوقف حتى جئته، فسلمت عليه، وشهدت شهادة الحق، فقال: "الحمد للَّه الذي هداك، ما كان مثلك يجهل الإسلام"، قال الحارث: فواللَّه! ما رأيت مثل الإسلام يجهل (١).

وكان الحارث يكنى: أبا المغيرة، وقيل: أبا عبد الرحمن، وهو أخو أبي جهل بن هشام، عداده في أهل الحجاز، وكان شريفًا مذكورًا، وخرج إلى الشام، فقتل باليرموك سنة خمس عشرة، وقيل: مات بالشام في طاعون عمواس، سنة ثماني عشرة.

وشهد مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حنينًا، وأعطاه مئة من الإبل؛ كما أعطى المؤلفة قلوبهم، وكان منهم، ثم حسن إسلامه، فخرج إلى الشام في زمن عمر بن الخطاب راغبًا في الجهاد، فخرج أهل مكة يبكون لفراقه، فقال: إنها النقلة إلى اللَّه تعالى، وما كنت لأوثر عليكم أحدًا. فلم يزل بالشام مجاهدًا إلى أن مات، وفيه يقول الشاعر: [من الكامل]

أحسبتَ أنَّ أباك يومَ سَبَبْتَني ... في المَجْدِ كانَ الحارثَ بنَ هشامِ

أَوْلَى قريشٍ بالمكارم كُلِّها ... في الجاهليةِ كانَ وفي الإسلامِ (٢)


(١) رواه الحاكم في "المستدرك" (٥٢١٠)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١١/ ٤٩٥ - ٤٩٦).
(٢) وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (١/ ٣٠١)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (١١/ ٤٩٥)، و"تهذيب الكمال" للمزي (٥/ ٢٩٤)، و"الوافي =

<<  <  ج: ص:  >  >>