للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو بردة هذا -رضي اللَّه عنه- أحد من رخص لهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأضحية بالعناق؛ فإنه لما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تقدم، قال أبو بردة: (يا رسول اللَّه! إني نسكت)؛ أي: ذبحت (شاتي)؛ أي: التي كنت قد أعددتها لأضحيتي (قبل الصلاة)؛ أي: صلاة العيد، (و) ذلك أني (عرفت)، وفي لفظ: علمت (أن اليوم يوم أكل وشرب)؛ لأنه عيد، (وأحببت أن تكون شاتي أول ما)؛ أي: نسيكة (يذبح في بيتي، فذبحت شاتي) التي كنت عينتها أضحية (وتغديت) منها، والغداء: طعام الغدوة -بالضم- البكر [ة]، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس (١) (قبل أن آتي الصلاة، قال) -صلى اللَّه عليه وسلم-: (شاتك) التي ذبحتها قبل صلاة العيد (شاة لحم) لا نسك.

وفيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر، لم يعذر فيها بالجهل، وقد فرقوا في ذلك بين المأمورات والمنهيات؛ فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل؛ كما في حديث معاوية بن الحكم؛ حين تكلم في الصلاة (٢).

والفرق بينهما: أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصل إلّا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها؛ امتحانًا للمكلف بالانكفاف عنها، وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها، ومع النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي عنه، فعذر بالجهل فيه (٣).

(قال) أبو بردة -رضي اللَّه عنه- لما قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك:


(١) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: ١٦٩٨)، (مادة: غدو).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ١٢٧ - ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>