للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبل النهي عن الاختصاء، ويؤيده تواردُ استئذانِ جماعة من الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كأبي هريرة، وابن مسعود، وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغَ من التعبير بالتبتل؛ لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة، ينافي المراد من التبتل، فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أنّ فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل، فهو كقطع الإصبع إذا وقعت في اليد آكلة، صيانةً لبقية اليد، وليس الهلاك بالخصاء محققًا، بل هو نادر، ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فلعل الراوي عبّر بالخصاء عن الجب؛ لأنه هو الذي يحصل المقصود.

والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل، ليستمر جهاد الكفار، وغير ذلك، ولو أذن - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، لأوشك تواردهم عليه، فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية (١).

قال: الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى ورضي عنه-: (التبتل) الذي ردّه - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون، ولم يأذن له فيه، أي المراد به: (ترك النكاح) -كما قدّمناه-، (ومنه)، أي: من كون المراد بالتبتل: ترك النكاح، أي: من أجل ذلك (قيل لمريم) بنت عمران (-عليها السلام-: البتول)، لانقطاعها عن التزويج، واسم أمها حنّة، وأخت حنّة أمُّ يحيى اسمها يساع، واسم أبيها فاقود، وعمران ابن ماثان، والله أعلم.


(١) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>