للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لك أن تعبر عن الوجه بالجهة، أو تعبر به عن اختلاف المقاصد، وتباين النفوس؛ فإن من تباعدَ من غيره، وتنافرَ، زوى وجهَه عنه، فيكون المقصود: التحذيرَ من وقوع التباغض والتنافر، كذا قال (١).

وربما استدل لقوله بما في "أوسط الطبراني" بسند ضعيف، عن علي - رضي الله عنه - مرفوعًا: "استووا تستوي قلوبُكم، وتَماسُّوا تَراحَمُوا". قال سريج: تماسُّوا؛ يعني: ازدحموا في الصلاة. وقال غيره: تماسُّوا: تَواصَلوا (٢).

ويؤيد الأولَ -يعني: حملَ الحديث على ظاهره -: حديثُ أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعا، بلفظ: "لتسَوُّنَّ الصفوفَ، أو لتطْمَسَنَّ الوجوهُ" رواه الإمام أحمد (٣)، وفي سنده ضعف (٤).

ولهذا قال الإمام الحافظ ابنُ الجوزي: الظاهرُ أنه مثل الوعيد المذكور في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: ٤٧].

والحاصل: إنْ حُمل الوجهُ على العضو المخصوص، فالمخالفةُ إما بحسب الصورة الإنسانية، أو الصفة؛ بأن يحول من قُدَّام إلى القَفا، وإن [حُمل] على ذاتِ الشخص، فالمخالفةُ بحسب المقاصد، كما أشار إليه الكرماني.


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (١/ ١٩٦).
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٥١٢١). قال الدارقطني في "العلل": الموقوف -يعني: عن علي رضي الله عنه - هو الصحيح. وقد رواه موقوفًا عن علي - رضي الله عنه -: ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٣٣).
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٢٥٨)، والروياني في "مسنده" (١٢٠٣)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٧٨٥٩).
(٤) قاله الحافظ في "الفتح" (٢/ ٢٠٧). وانظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (٢/ ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>