للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التراب، وهذا الحكم يخالف غسل سائر النجاسات؛ لحكمة مختصة غَيْر معقولة (١).

الثاني: ذهب الحنفية إِلَى نجاسة الكلب، وأن الإناء الَّذِي يلغ فِيْهِ يجب غسله مرتين أو ثلاثاً كسائر النجاسات من غَيْر حدٍّ، وأن الأمر بالغسل للتنجيس لا للتعبد؛ لأن الجمادات لا يلحقها حكم العبادات، والزيادة في العدد والتعفير بالتراب دليل عَلَى غلظ النجاسة (٢).

وبنحو هَذَا القول: قَالَ الليث بن سعد وسفيان الثوري؛ إلاَّ أنهما قيدا الغسل بطمأنينة القلب إِلَى زوال النجاسة، سواء كَانَتْ الغسلات سبعاً أو أقل أو أكثر (٣).

وإليه ذهب الإمامية، فقالوا: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً، تَكُوْن الثانية مِنْهَا بالتراب، وإن الكلب نجس، لا يجوز التطهر بِمَا أفضل، ويجب إراقته (٤).

واستدل القائلون بالمذهب الأول بِمَا صح عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)). وفي رِوَايَة: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثُمَّ يغسله سبع مرات)). وفي رِوَايَة: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فِيْهِ الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)).

والحديث رَوَاهُ عَبْد الرزاق (٥) والحميدي (٦) وأحمد (٧) والبخاري (٨)


(١) السيل الجرار ١/ ٣٧ - ٣٨.
(٢) المبسوط ١/ ٤٨، وبدائع الصنائع ١/ ٢١، وشرح فتح القدير ١/ ٧٥، وحاشية ابن عابدين ١/ ٣٣٨.
(٣) الاستذكار ١/ ٢٤٩.
وانطلاقاً من هَذَا المفهوم، قَالَ الشَّيْخ مَحْمُوْد شلتوت - رَحِمَهُ اللهُ - في " الفتاوى ": ٧٦ - ٧٨: ((وَقَدْ فهم كَثِيْر من الْعُلَمَاء أن العدد في الغسل مَعَ التتريب مقصودان لذاتهما، فأوجبوا غسل الإناء سبع مرات، كَمَا أوجبوا أن تَكُوْن إحداهن بالتراب؛ وَلَكِن الَّذِي نفهمه هُوَ الَّذِي فهمه غيرهم من الْعُلَمَاء، وَهُوَ أن المقصود من العدد مجرد الكثرة الَّتِي يتطلبها الاطمئنان عَلَى زوال أثر لعاب الكلب من الآنية، وأن المقصود من التراب استعمال مادة مَعَ الماء من شأنها تقوية الماء في إزالة ذَلِكَ الأثر، وإنما ذَكَرَ التراب في الْحَدِيْث؛ لأنَّهُ الميسور لعامة الناس؛ ولأنه كَانَ هُوَ المعروف في ذَلِكَ الوقت مادة قوية في التطهير واقتلاع ما عساه يتركه لعاب الكلب في الإناء من جراثيم، ومن هنا نستطيع أن نقرر الاكتفاء في التطهير المطلوب بِمَا عرفه الْعُلَمَاء بخواص الأشياء من المطهرات القوية، وإن لَمْ تَكُنْ تراباً ولا من عناصرها التراب)).
وما يعضده الدليل خلاف كلام الشَّيْخ.
(٤) تهذيب الأحكام ١/ ٢٤٢، والاستبصار ١/ ٢٢.
(٥) في مصنفه (٣٣٠).
(٦) في مسنده (٩٦٨).
(٧) في مسنده ٢/ ٢٦٥.
(٨) في صحيحه ١/ ٥٤ (١٧٢).

<<  <   >  >>