للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمالكية (١)، والحنابلة (٢)، وجمهور أهل الْحَدِيْث (٣).

واختلفوا في تعيين وجوب رد الصاع، أو ما ينوب عَنْهُ (٤).

واستدل القائلون بالجواز بحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بَعْد فإنه بخير النظرين بَعْدَ أن يحتلبها: إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) (٥).

وأجاب من قَالَ بعدم الجواز: بأن هَذَا الْحَدِيْث مخالف للقياس من وجوه:

١ - إن رد المبيع بلا عيب ولا خلاف في صفة لا تقره أصول الشريعة؛ وذلك لأن التصرية ليست من العيوب فإن البيع يقتضي سلامة المبيع، وقلة اللبن لاتعدُّ من العيوب الَّتِي تعدم السلامة؛ لأن اللبن ثمرة وبعدمه لا تنعدم صفة السلامة، فبقلته من باب أولى.

٢ - القاعدة أن الخراج بالضمان، فاللبن الحادث عِنْدَ الْمُشْتَرِي غَيْر مضمون، وَقَدْ نُصَّ عَلَى ضمانه.

٣ - إن الشيء المضمون (اللبن) مثلي، والقاعدة أن المثليات تضمن بمثلها، وَقَدْ ضمنه بغير المثل.

٤ - في الضمان إذا انتقل من المثل فإنه ينتقل إِلَى القيمة، والتمر المذكور في الْحَدِيْث لَيْسَ قيمة ولا مثْلاً.

٥ - أن المال المضمون يقدر بقدره قلة وكثرة، والقدر منصوص عَلَيْهِ هنا وَهُوَ الصاع (٦).

وأجيب عن الأول بأنه لَيْسَ في أصول الشريعة ما يدل عَلَى انحصار أسباب الرد بهذين الأمرين، بَلْ إن الخيار يثبت للمشتري بالتدليس، وذلك لأن الْمُشْتَرِي رأى الضرع مملوءاً باللبن، فظن أن ذَلِكَ عادتها، فكأن البائع قَدْ شرط لَهُ ذَلِكَ، فإذا تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ ثبت لَهُ الرد، لفقد الشرط المعنوي الَّذِي نوهنا بهُ.


(١) المدونة ٤/ ٢٨٦، والكافي في فقه أهل المدينة ٢/ ٦٠، والمنتقى ٥/ ١٠٥، وأوجز المسالك ١١/ ٣٧٦.
(٢) المغني ٤/ ٢٣٣.
(٣) التمهيد ١٨/ ٢٠٢، والإستذكار ٥/ ٥٤٦.
(٤) التمهيد ١٨/ ٢٠٢، والمغني ٤/ ٢٣٤، وفتح الباري ٤/ ٣٦٤.
(٥) متفق عَلَيْهِ من حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ البُخَارِيّ ٣/ ٩٢ (٢١٤٩) و (٢١٥٠)، ومسلم ٥/ ٤ (١٥١٥).
(٦) المبسوط ١٣/ ١٣٩، وإعلام الموقعين ٢/ ١٩، وفتح الباري ٤/ ٣٦٦.

<<  <   >  >>