للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِذلِكَ فإن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة، وروي مرة أخرى موصولاً، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي:

القَوْل الأول: ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة (١).

القَوْل الثَّانِي: ترجيح الرِّوَايَة المرسلة (٢).

القَوْل الثَّالِث: الترجيح للأحفظ (٣).

القَوْل الرابع: الاعتبار لأكثر الرواة عدداً (٤).

القَوْل الخامس: التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ والتوقف (٥).

هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة. وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح والتعليل، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه.


(١) وهذا هُوَ الَّذِي صححه الخطيب في الكفاية (٥٨١ت،٤١١هـ‍) ‍‍وَقَالَ ابن الصَّلاح في مَعْرِفَة أنواع علم
الحَدِيْث:٦٥، ١٥٥ طبعتنا: ((فما صححه هُوَ الصَّحِيح في الفقه وأصوله)). وانظر: المدخل: ٤٠، وقواطع الأدلة ١/ ٣٦٨ - ٣٦٩، والمحصول ٢/ ٢٢٩، وجامع الأصول ١/ ١٧٠ وكشف الأسرار للبخاري ٣/ ٢، وجمع الجوامع ٢/ ١٢٦. وَقَدْ نسب الإمام النَّوَوِيّ هَذَا القَوْل للمحققين من أهل الحَدِيْث، شرح صَحِيْح مسلم ١/ ١٤٥ ثُمَّ إن هَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي صححه العراقي في شرح التبصرة ١/ ١٧٤، ١/ ٢٢٧ طبعتنا.
(٢) هَذَا القَوْل عزاه الخطيب للأكثر من أهل الحَدِيْث (الكفاية: ٥٨٠ت، ٤١١ هـ‍).
(٣) هُوَ ظاهر كلام الإمام أحمد كَمَا ذكر ذَلِكَ ابن رجب الحنبلي في شرحه لعلل التِّرْمِذِي ٢/ ٦٣١.
(٤) عزاه الحَاكِم في المدخل: ٤٠ لأئمة الحَدِيْث، وانظر: مقدمة جامع الأصول ١/ ١٧٠، والنكت الوفية ١٣٦/أ.
(٥) هَذَا القَوْل ذكره السُّبْكِيّ في جمع الجوامع ٢/ ١٢٤ وَلَمْ ينسبه لأحد.

<<  <   >  >>