للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجل تمييز الخطأ والوهم في الْحَدِيْث النبوي، ثُمَّ اهتم العلماء بِهِ من بَعْدُ لئلا ينسب خطأ أو وهم أَوْ اختلاف إلى السنة المطهرة.

ولعلم العلل مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ والصواب وَالصَّحِيْح من المعوجِّ. وَقَد اعتنى بِهِ العلماء وطلبة العلم قديماً وحديثاً. ولأهمية هَذَا العلم نجد بعض جهابذة العلماء يصرِّحُ بأنّ مَعْرِفَة العلل عنده مقدَّمٌ عَلَى مجرد الرِّوَايَة، قَالَ الإمام الجهبذ عَبْد الرحمان بن مهدي: ((لإنْ أعرف علة حَدِيْث واحد أحَبُّ إليَّ من أن أستفيد عشرة أحاديث)) (١).

ومما يدلنا عَلَى أهمية هَذَا العلم وصعوبته أنه من أشد العلوم غموضاً، فلا يدركه إلا من رزق سعة الرِّوَايَة، وَكَانَ مع ذَلِكَ حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر واسع المران.

ومعرفة علل الْحَدِيْث من الأمور الَّتِيْ لا تُنَالُ إلا بِممارسةٍ كبيرةٍ في الإعْلالِ والتضعيف ومعرفة السند الصَّحِيْح من الضعيف والمتصل من المنقطع، فمن أكثر الاشتغال بعلم الْحَدِيْث وحفظ جملة مستكثرة من المتون حَتَّى اختلطت بلحمه ودمه وعرف خفايا المتون والأسانيد ومشكلاتها؛ استطاع أن يميّز الْحَدِيْث الصَّحِيْح من الْحَدِيْث المعل. وطريقة الباحث في نقده وحكمه عَلَى الأحاديث أن يجمع طرق الْحَدِيْث ويستقصيها من الجوامع والمسانيد والأجزاء، ويَسْبُرَ (٢) أحوال الرُّوَاة فينظر في اختلافها وفي مقدار حفظهم ومكانتهم من الضبط والإتقان، وعند ذَلِكَ وبعد النظر في القرائن يقع في نفس الباحث الناقد البصير أنّ الْحَدِيْث معل بإرسال في الموصول أو وصل في المرسل أَوْ المنقطع، أو سقوط رجل بسبب التدليس أو وقف في المرفوع، أو معارضة بما هُوَ أقوى لا تحتمل التوفيق، أو دخول حَدِيْث في حَدِيْث أو وهم أو ما أشبه ذَلِكَ من العلل القادحة، ثُمَّ يغلب عَلَى ظنه ذَلِكَ فيحكم بعدم صحة الْحَدِيْث أَوْ يتردد فِيْهِ فيتوقف عَنْ الحكم.

من هَذَا العرض يتبين لنا أن رأس علم العلل هُوَ الاختلافات الواقعة في الأسانيد والمتون الَّتِيْ تحيل الْحَدِيْث من حيز الصحة والقبول إلى دائرة الضعف والترك.


(١) نقله عَنْهُ ابن أبي حاتم في علله ١/ ٩، والحاكم في مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: ١١٢، وابن رجب في شرح علل الترمذي ١/ ٤٧٠.
(٢) السبر: بفتح فسكون، امتحان غور الجرح، يقال: سبر الجرح يسبِرُهُ، ويَسبُرُهُ سَبْراً أي: نظر مقداره وقاسه ليعرف غوره، وَهُوَ الحزر والتجربة والاختبار، واستخراج كنه الأمر. يقال: سبر فلاناً أي: خبره ليعرف ما عنده. تاج العروس ١١/ ٤٨٧،ومعجم متن اللغة ٣/ ٩٣،والمعجم الوسيط: ٤١٣ (سبر).

<<  <   >  >>