للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ. ويجعلون ذَلِكَ علة فِيْهِ، اللهم إلاّ أن يَكُوْن ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أَيْضاً ولهم في كُلّ حَدِيْث نقد خاص، وليس عندهم لِذَلِكَ ضابط يضبطه)) (١).

ومعنى قوله: ((ويجعلون ذَلِكَ علة))، أن ذَلِكَ مخصوص بتفرد من لا يحتمل تفرده، بقرينة قوله: ((إلا أن يَكُوْن ممن كثر حفظه ...))، فتفرده هُوَ خطؤه، إِذْ هُوَ مظنة عدم الضبط ودخول الأوهام، فانفراده دال عَلَى وجود خلل ما في حديثه، كَمَا أن الحمّى دالة عَلَى وجود مرض ما، وَقَدْ وجدنا غَيْر واحد من النقاد صرح بأن تفرد فُلاَن لا يضر، فَقَدْ قَالَ الإمام مُسْلِم: ((هَذَا الحرف لا يرويه غَيْر الزهري، قَالَ: وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويها عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فِيْهَا أحد بأسانيد جياد)) (٢).

وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((وكم من ثقة تفرد بما لَمْ يشاركه فِيْهِ ثقة آخر، وإذا كَانَ الثقة حافظاً لَمْ يضره الانفراد)) (٣).

وَقَالَ الزيلعي (٤): ((وانفراد الثقة بالحديث لا يضره)) (٥).

وتأسيساً عَلَى ما أصّلناه من قَبْل من أن تفرد الرَّاوِي لا يضر في كُلّ حال، ولكنه ينبه الناقد عَلَى أمر ما، قَالَ المعلمي اليماني: ((وكثرة الغرائب إنما تضر الرَّاوِي في أحد حالين:

الأولى: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة.

الثانية: أن يَكُوْن مع كثرة غرائبه غَيْر معروف بكثرة الطلب)) (٦).

وتمتع هَذَا الجانب من النقد الحديثي باهتمام النقاد، فنراهم يديمون تتبع هَذِهِ الحالة وتقريرها، وأفردوا من أجل ذَلِكَ المصنفات، مِنْهَا: كتاب "التفرد" (٧) للإمام أبي داود، و "الغرائب والأفراد" (٨) للدارقطني، و "المفاريد" (٩) لأبي يعلى، واهتم الإمام


(١) شرح علل الترمذي ٢/ ٤٠٦.
(٢) الجامع الصَّحِيْح ٥/ ٨٢ عقب (١٦٤٧).
(٣) فتح الباري ٥/ ١١.
(٤) الفقيه عالم الْحَدِيْث أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن يوسف بن مُحَمَّد الزيلعي، من مؤلفاته: " نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " و " تخريج أحاديث الكشاف "، توفي سنة (٧٦٢ هـ‍).
الدرر الكامنة ٢/ ٣١٠، والأعلام ٤/ ١٤٧.
(٥) نصب الراية ٣/ ٧٤.
(٦) التنكيل ١/ ١٠٤.
(٧) هُوَ مفقود وَكَانَ موجوداً في القرن الثامن، والمزي ينقل مِنْهُ كثيراً في تحفة الأشراف انظر عَلَى سبيل المثال ٤/ ٦٣٠ (٦٢٤٩)، والرسالة المستطرفة: ١١٤.
(٨) وَقَدْ طبع ترتيبه للمقدسي في دار الكتب العلمية ببيروت عام ١٩٩٨ م.
(٩) طبع بتحقيق عَبْد الله بن يوسف جديع في دار الأقصى، الكويت، الطبعة الأولى ١٩٨٥ م.

<<  <   >  >>