للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمعانيها جَمَّةٌ جليلةٌ.

وفي روايةٍ لمُسلِم في كتاب "الفصل للوصل" (١) بعدَ "كلمات": "ينفعُكَ اللهُ بهنَّ" أي: بعلمِهِنَّ، أو بالعَمَل بمقتضاهُنَّ، أو بمجموع ذلك، فهو على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.

الثانية: معنى "احفظ الله يحفظكَ": احفظهُ بالطَّاعة يحفظكَ بالرِّعاية؛ فإذا أطعته بامتِثالِ أوامِرِه واجتنابِ نَواهيه أحاطَكَ بمُعَقِّباتٍ لهُ: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: ١١].

ومعنى: "احفظ الله تجده تجاهك" و"أمامك" أي: يراعيك في أحوالك، ولا تكن مخالفًا له فإنَّك تجدهُ تُجاهك في الشَّدَائدِ وفي كُلِّ الأحوال، كما جَرَى للثلاثةِ أصحاب الصَّخرة الثابت في "الصحيح" (٢).

وهذا في معنى الذي قبلهُ وتأكيدٌ لهُ، وهو يُشْبِهُ قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: ٤٠]، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢] أي: اذكروني بالطَّاعة، أذكركُم بالمَغْفِرَةِ والرِّعاية، وهو مِن أبلغ المجاز وأحسنه، إذ الجِهَةُ مُسْتَحيلةٌ في حقِّهِ!! (٣) وهذا نحو قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٩٤]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣)} [البقرة: ١٥٣] فالمَعِيَّةُ معنوية لا ظرفية.


(١) هو كتاب "الفصل للوصل" للخطيب البغدادي. انظر: (٢/ ٨٥٨) منه.
(٢) رواه البخاري (٢٢١٥)، ومسلم (٢٧٤٣) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٣) الجهة من الألفاظ المُجْمَلة الحادِثة التي لم تَرِدْ في الكتاب أو السنة ... ، وعقيدة أهل السنة: أنَّ الله فوق السموات السبع، عالٍ على عرشه، بائنٌ مِن خلقه كما أخبر بذلكَ عن نفسه فقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠]، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠]، وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)} [الملك: ١٦] , وقال: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: ٥٥]، وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨] وغيرها كثير، تختَلِفُ دلالاتها في إثباتِ عُلُوِّ الله على خلقه,=

<<  <   >  >>