للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشهد له قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] أي: صلاتكم إلى بيتِ المقدِس (١).

ولا شَكَّ أنَّ الإيمانَ شرطٌ باطِنٌ لِصحَّتِها، والطُّهور شرطٌ ظاهِرٌ لها؛ فاقْتَسَمَاها، والإيمان تصديقٌ بالقلب، وانقِيادٌ بالظاهر، وهُما شَطْرَا (٢) الإيمان، والطهارة متضمِّنةٌ للصلاةِ، فهي انقيادٌ في الظاهر.

ثالِثها: معنى "الحَمْدُ لله تملأ الميزان" أنَّ ثوابها يملؤهُ خيرًا، ومعناه: عِظَمُ أجْرِها؛ فيملأ ميزانه.

وقد تَظَاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثِقلُ الموازين وخِفَّتها، وسبب الموازنة المناسِبة في الملءِ أنَّ "اللَّام" في "الحمد" لاسْتِغْراق جِنْس الحمد الذي يَجِبُ لله ويستحِقّه بملء الميزان؛ فكذا ثوابه.

و"تملأ": بالمُثَنَّاة فوق، ويرجع إلى اللفظ أو الجملة، ويصِحُّ بِمُثَنَّاة تحت، ويَرْجع إلى الحمدِ نفسه، والظاهر أنَّ المُراد هذا اللفظ فقط.

رابعها: "الميزان" مِفعال مِنَ الوزن، وأصله موزان، فانقَلَبَت الواوُ ياءً لانكِسار مَا قبلها، ومِثلهُ: ميعاد وميقات، ونحو ذلك، لأنهما مِن الواعدِ والوَقت.


(١) قال حافظ المغرب ابن عبد البَرّ في "التمهيد" (٩/ ٢٤٥): "لم يختلف المُفَسِّرونَ أنه أرادَ: صلاتكم إلى بيتَ المقدس، فسمَّى الصلاةَ إيمانًا".
وقال السَّمعاني (ت:٤٨٩ هـ) في "تفسيره" (١/ ١٥٠): "وهذه الآية دليلٌ على المرجِئة، حيثُ لم يجْعَلوا الصلاةَ مِنَ الإيمان".
انظر في كتب التفسير: الطبري (٣/ ١٦٧)، وابن أبي حاتم (١/ ٢٥١)، والبغوي (١/ ١٦٠)، وابن الجوزي (١/ ١٥٥)، والقرطبي (٢/ ١٥٧)، وابن كثير (١/ ٤٥٨).
(٢) في الأصل: "شطران".

<<  <   >  >>