للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعها: قوله: "وفي بُضْع أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" يعني: إذا نَوَى به العبادة، وهو قضاء حق الزوجة، وولد صالح، وعَفَافُ النفس وكفها عن المحارم -كما سلف- وقد قالت أم مريم: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: ٣٥] أي: وَقْفًا على خِدْمَتِكَ.

وظاهِرُ الحديث يقتَضِي أنَّهُ نفسه صدقة من غير نية، ولهذا أشار بقياس العكس بعدُ بقوله: "أرأيت لو وضعها في حرام ... " إلى آخره، وإذا ثَبَتَ ذلك فهو يُشير إلى شبيهٍ بما قاله الكعبي (١) مِن أنَّ المباح مأمورٌ بهِ.

وقياسُ العَكْسِ: إثباتُ ضِدّ الحُكْمِ في ضدَّ الأصل، كإثبات الوِزْر الَّذي هو ضدّ الصَّدَقة في الزِّنا الَّذي هو ضِدُّ الوَطء المباح، ومثله حديث: "مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ". قال ابن مَسْعُود: "وأنا أقولُ: مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ" (٢).

والأصح أنَّه يُعمَلُ به. والقِيَاسُ الطَّردِي -: وهو إثبات مثل حكم الأصل في الفرع - على أَضْرُبٍ: قياسُ عِلَّة، كالنبيذ مسكر فحَرُمَ كالخمر.

ودِلَالة: الَّذي يَصِحُّ طَلَاقه، فيصِحُّ ظِهَارُهُ كالمسلم.

وشَبَهٍ (٣): كالعبد يباع ويوهبُ فلا يَمْلِك كالبهيمة، وكان الفاروق يتزوج


(١) هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي المعروف بالكعبي، شيخ المعتزلة، من نظراء أبي عليٍّ الجُبَّائي، هلك سنة (٣٢٩ هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٣١٣).
وانظر في الرد على الكعبي هذا: "إكمال المعلم" للقاضي (٣/ ٥٢٧ - ٥٢٨)، و"شرح مختصر الروضة" للطوفي (١/ ٣٨٧ - ٣٩٠).
(٢) البخاري (٢/ ٧١ رقم ١٢٣٨، ٤٤٩٧، ٦٦٨٣)، وقد تابع المؤلف الطوفي في قَلْبِهِ لهذا الحديث! والصواب: "مَنْ ماتَ يُشْرِكُ بالله شيئًا دَخَلَ النارَ". وقلتُ أنا -ابن مسعود-: "مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ".
(٣) في الأصل كتب فوقها: "قياس" وتحتها "الثاني"!

<<  <   >  >>