للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "الصحيح": "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا قال: اللَّهمَّ اغفر لي ذَنْبِي، فقال -تبارك وتعالى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَيَأْخُذُ بالذَّنب". قال في الثالثة -أو الرابعة-: "اعمَلْ مَا شِئْتَ فَقد غَفَرتُ لَكَ" (١). أي: ما دمتَ تُذنب وتتوب وتستغفر.

ولا شكَّ أنَّ الدُّعاءَ مُخُّ العِبادَةِ، والرَّجاء يتضمَّن حسن الظن بالله، وهو يقول: "أَنا عِندَ ظَنِّ عَبْدِي بي"، وعند ذلك تتوجه الرحمة على العبد، وإذا توجهت فلا مُمسِكَ لها، ولا يتعاظمها شيء؛ لأنَّها وَسِعَت كُلَّ شيءٍ، فلو بَلَغَت ذنوبُ العبد الأرض والفضاء حتى ارتفعت إلى السماء ثم استغفرها غُفرت له؛ لأنه طَلَبَ الإقالةَ مِن كريم، فإن الاستغفار استقالة، والكريم محل إقالة العَثَرات وغفر الزلات، وقد طلب الاستغفار، ووعد بالإجابة، قال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠]، وقال -تبارك وتعالى-: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: ٥٢] الآية، وفي الحديث: "لولا أنَّكُم تُذْنِبونَ لَذَهبَ اللهُ بكُم وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ غَيْركُم، فَيُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ؛ فَيَغْفِرُ لَهم" (٢).

وفي التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].

والإجماعُ قائِمٌ على ذلك، أعني: على أنَّ مَن ماتَ كَافِرًا يُخلَّد، وأن من مات عاصيًا لا يُخَلَّد؛ بل هو تحت المشيئة، وهذا إحسانٌ عامٌّ، وحلم وافِر، وفَضْل كَثِير وبُشْرَى، ونظِيرُهُ الحديث الصحيح: "واللهِ، للهُ أَفْرَحُ بتوبةِ أَحَدِكُم مِنْ أَحَدِكُم بضَالَّتِهِ لَوْ وَجَدها" (٣).


(١) رواه البخاري (٩/ ١٤٥ رقم ٧٥٠٧)، ومسلم (٤/ ٢١١٢ رقم ٢٧٥٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه مسلم (٤/ ٢١٠٥ رقم ٢٧٤٨) من حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -.
(٣) رواه البخاري (٨/ ٦٨ رقم ٦٣٨٠)، ومسلم (٤/ ٢١٠٣ رقم ٢٧٤٤) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>