للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويبيعه عنه لقضاء الغرماء، وهو حكاية فعل عرف وجهه، فيتأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، وظاهر القصة أنه كان ماله مستغرقا بالدين، فإذا اقتصر على قدر ما ورد لم يكن الحجر إلا على المستغرق ماله، ولكنه إذا ظهر المقتضي المناسب جاز الإلحاق، والمقتضي لذلك هو عدم مسارعة المدين بالقضاء، وهو حاصل مع من استغرق ماله، ومن لم يستغرق فيلحق به، وقد ذهب إلى هذا جمهور العترة والشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال زيد بن علي والناصر وأبو حنيفة: إنه لا يحجر ولا يبيع، وإنما الواجب أن يحبس حتى يقضي دينه. قالوا: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه" (١). وقوله تعالى: {إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (٢). ومقتضى الحجر والبيع إخراج المال من دون طيبه، ولم يكن تجارة عن تراض، وحديث معاذ حكاية فعل، وأيضًا فإنه مرسل. وأجيب بأن ذلك عموم، وحديث معاذ خاص، وأن الفعل إذا ظهر وجهه فهو حجة كالقول، وقد ظهر هنا وهو أنه فعل لدفع الخصومة واستيفاء الحق، فكان ظاهره الوجوب على الحاكم أن يفعل ذلك لما ذكر، وقد يجاب عن ذلك بأن حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لطلب من معاذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فعله، وقد روى ذلك إمام الحرمين في "النهاية" (٣)، قال: قال العلماء: [ما] (أ) كان في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ من جهة استدعاء غرمائه، والأشبه أن ذلك جرى باستدعائه. وتبعه الغزالي (٤) في ذلك، وقد روى الدارقطني (٥) أن معاذًا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه ليكلم غرماءه، ولكن هذا لا يدل على ما ذكر؛ لأن


(أ) في الأصل: لما.